أن تعرف ماذا تريد.. وتتابع ذلك وتلاحقه كما يلاحقك ظلك فأمر صعب.. ولكن الصعوبة الأكثر هي أن تسعى جاهداً، وجاداً لتحقيق ذلك .. تمشي خلفه من أول الأرض إلى آخرها.. يكون الصورة .. وأنت من يلتقطهامن كل الزوايا..! أن تعرف ماذا تريد يعني أن تبدأ من نقطة الانتماء، الانتماء إلى ما تريده..أن تكون كل الصفحات بخطك.. تطبع عليها أيامك وتفاصيل ذاكرتك وذلك المسلك الذي تريد أن تسلكه..! "أمينة السعيد" طفلة في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة تعيش في مدينة صغيرة تتشابه فيها الأيام والسير والوجوه والحكايات.. يفتح لها والدها مجلة "المصور"المصرية ليقول لها ذات مساء"أريدك أن تكوني كهذه" "أمينة السعيد" كاتبة مصرية كبيرة ولم أكن أعرف عنها شيئاً..! ما أعرفه أنني كنت أستمتع بقراءة المجلات المصرية القديمة والمتراكمة لدى والدي وأستعذب قراءتها لكن تلك الليلة شكلت لي "أمينة السعيد"علامة فارقة في حياتي ..! من هي أمينة السعيد؟ ولماذا يريدني والدي أن أكون مثلها هذه البعيدة هناك في القاهرة التي لم أحلم حتى بزيارتها.. هل يمكن أن اكون مثلها؟ ظللتُ أحدق في الصورة أياماً طويلة في ملامح سيدة كبيرة في السن تكتب في الصفحة الأخيرة للمصور كاتبة وروائية وبعد ذلك قرأت أنها من الحقوقيات في الوطن العربي..! ظلت أمينة السعيد معي كعطر الذاكرة، وتلك الليلة هي من جعلت الحلم ينساب وكأنه البداية والأمل البعيد.. لم أفلسف تفاصيل تلك الليلة التي تعمّم حلمها على أمينة لكن تفاصيلها كانت مختلفة.. رسمتها كنمط حياة مستقبلي..أو حكاية تجوز قراءتها كل لحظة والهجرة إليها يومياً بإسراج خيوط الأمل في ممراتها..! أن تعرف ماذا تُريد؟ وبالتحديد في الكتابة هو ان تبدأ خطواتك في ذلك الطريق الممتد والبعيد "بالقراءة" فمن لا يقرأ لايستطيع أن يكتب على الإطلاق .. والقراءة في حد ذاتها فن خاص لايتقنه الجميع.. أن تعرف ماذا تريد.. هو أن تصبح الكتب جزءاً منك وأنت جزء منها.. أن تعرف ماذا تريد؟ هو ان تحلم وأول خطوة لتحقيق الحلم هي ان أكون متيقظة وأن أتدثر بنفسي وجهدي وكما يقول أحدهم (لاتُحقق أحلامنا الا بحبات عرقنا)..! في المدرسة الثانوية كنت أقوم بكتابة مواضيع التعبير بصور مختلفة لزميلاتي اللاتي لا يحببن التعبير ولا اللغة العربية مقابل أن يقمن بالعمل اليدوي لي "الرسم والتطريز وأشغال الإبرة" التي لا أحبها.. تعلقت بمعلمات اللغة العربية، واشتغلت بحفظ المعلقات والشعر القديم بجهد وطاقة لا حد لهما.. كنت أقرأ أي ورقة أو جريدة أو كتاب في أي مجال.. يقول أديسون"واحد في المائة نبوغ وإلهام وتسع وتسعون في المائة عرق وجهاد".. كان لدي صبر وجهد وهدوء بلاحساب، حتى اللحظة لا اعرف لماذا كنتُ أحرمُ نفسي مما تقوم به زميلاتي من لهو ولعب في فسحة المدرسة؟ كنتُ أعتبره تفاهة وهن يعتبرنني معقدة وغريبة الأطوار..أظل في الفصل أقرأ وأستمتع وأحضر للاذاعة الصباحية التي أتزعمها وأخطب فيها.. بطاقات لاحدود لها وتحمل للمشاق والحرمان من أشياء كثيرة وسعادة وكأن الدنيا التي أراها ستمطرُ غداً.. لي فقط..! كان ذهني مركباً وحتى اللحظة على التركيز والصورة والسمع والتفكير فقط والتقاط الأشياء من بعيد والتعود على أن كل تعب وجهد اللحظة قد يؤدي إلى ذلك المسارالممتد والبعيد الذي أراه ولكن بصعوبة ومعاناة.. تعلقت باللغة وبالكتاب وبالتطلع الى الأمام وبالتخلي عن كل ما يعطلني وبذلك البرنامج القاسي بعد أول كتابة لي في مجلة إقرأ وهو العمل على نفسي ليس لأكون أمينة السعيد ولكن لأكون"نجوى" فقط أرسم وجهي بيدي وأحتمي بزوايا حلمي..! في جازان وقبل الجامعة تشكلت ملامحي اقصد قراءاتي كان الصيف في مرحلة الثانوية بالنسبة لي برنامجاً قاسياً من القراءة أنجز كتاباً كل يومين قد أواصل الليل بالنهار أقرأ..قراءة يتجمع فيها الذهن كاملا ً وتلك الوفرة المجانية للتمازج مع ما تقرأ لدرجة أنني قد أفقد صلتي بالواقع.. ربما كانت هذه البدايات ان أعرف ماذا أريد؟ وأن أعزز هذه المعرفة بالجهد ولكن قبلها أن تكون لدي حاسة الكتابة أو ما يسمى بالموهبة التي علينا أن نحميها ونعمل عليها.. أسعدني تفاعل الطالبات في جامعة جازان والبحث منهن عن الأجوبة الحقيقية .. والحلم بالتغلب على المعوقات في الحياة .. ولكن كما قلت ليس كافياً أن نحلم ولن تمطر السماء حلولا ً.. علينا نحن ان نبحث عن الحلول من داخلنا من قدراتنا دون استسلام..! سألت من تريد أن تصبح كاتبة أو صحفية؟ رفعت ما لايقل عن مائة طالبة أيديهن.. هذارائع .. سيسعدني أن تنجح عشر طالبات بعد خمس سنوات في تحقيق الحلم.. وهو الذي أقصد الحلم يحتاج الى تحمل مسؤوليته والعمل الشاق والرغبة والإصرار والاستمرارية وأن يكون الخيال متخطياً جميع الحدود.. أخيراً شكري وتقديري للدعوة الكريمة من جامعة جازان ولتلك الحفاوة الرائعة بي.. شكري وامتناني للقاص والأديب" الدكتور حسن حجاب الحازمي" وكيل جامعة جازان على الدعوة والتكريم والحفاوة البالغة.. وللدكتور"ابراهيم هادي" المشرف العام على العلاقات العامة والإعلام الجامعي.. وللدكتور"حسين دغريري" وكيل الشؤون الإدارية بالجامعة والأستاذ"محمد دويري" مدير مكتب وكيل الجامعة على ذلك الاهتمام والحفاوة، والأخوات من العلاقات العامة: فاطمة السدمي، منال الخزاعي، ومسؤولة العلاقات العامة بالجامعة الأستاذة "ميسون شتيفي" والأستاذة "غادة عبدالكريم"وكيلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية.. وتقديري للرائعة "شقراء مدخلي" الشاعرة والمبدعة التي أدارت الحوار بفوائض ابداع وتفوق.. والتي أسعدتني معرفتها..! وأخيرأ أيضاً سلامٌ للمدينة الفاتنة جازان.. سلامّ لكل من ارتوى من تجربتي .. ولكل من لا يزال يحاصره الظمأ..!!!
مشاركة :