قرر مجلس شورى حركة النهضة مواصلة دعم رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ إلى حين صدور نتائج التحقيقات في تهم تضارب المصالح والفساد التي طالته، في وقت تعمل فيه كتل نيابية على إعداد لائحة لسحب الثقة منه. وتضع قرارات الحركة الإسلامية الفخفاخ أمام معادلة صعبة: إما الاستجابة لمطالبها وإما التعجيل بإسقاط حكومته. تونس - تحرج حركة النهضة الإسلامية رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وتضعه في موقف صعب بين الرضوخ لشروطها مقابل الدعم، أو سحب البساط من تحت قدميه، وهو ما يربك وضع الفخفاخ في انتظار فحوى نتائج التحقيقات في تهم تضارب المصالح والفساد المتعلقة به. وقال نائب رئيس حركة النهضة علي العريض، إن مواصلة دعم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ رهين ما ستفرزه المؤسسات المتعهدة بالتحقيق في شبهة تضارب المصالح. ويدرج متابعون للشأن التونسي قرار النهضة ضمن تكتيكات الحركة الرامية إلى العودة للحكم عبر ابتزاز الفخفاخ ودفعه إلى مراجعة تحالفاته السياسية، وهو ما يضعف بالضرورة فكرة حكومة الرئيس التي طفت على السطح بعد سقوط مرشحها الحبيب الجملي. ويشير هؤلاء إلى أن النهضة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تصفية الحسابات مع الرئيس قيس سعيّد ورئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، ما يفرغ الساحة السياسية من الشخصيات القادرة على منعها من أن تكون الحزب المحوري في البلاد. وتوترت علاقة النهضة بالشاهد، الذي يقود حاليا حزب حركة تحيا تونس (شريك في الحكم) ، بعد أن كشف الأخير في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنه كان مهندس سقوط حكومة الجملي في البرلمان، ليفسح المجال لتولي الرئيس سعيّد دستوريا تكليف رئيس حكومة جديد. وتستمد الأحزاب المشاركة في حكومة الفخفاخ ( حركة الشعب والتيار الديمقراطي وحركة تحيا تونس) “شرعيتها” من الرئيس سعيّد، ما اعتبرته النهضة (الفائزة في الانتخابات التشريعية) التفافا على نتائج الانتخابات وانطلقت حينئذ في إرباك العمل الحكومي من جهة ومناوشة الرئيس بالتعدي على صلاحياته من جهة أخرى. ووجدت النهضة في تهم الفساد الموجهة إلى رئيس الحكومة، والتي لا تستبعد أطراف أن تكون وراءها، فرصة سانحة لفرض مطالبها بتوسيع الائتلاف الحكومي ليستوعب حركة قلب تونس (ليبرالية) وحليفها ائتلاف الكرامة، وهي المطالب التي رفضها الفخفاخ. وتعي حركة النهضة جيدا أن استجابة الفخفاخ لهذه المطالب ستؤدي بالضرورة إلى انسحاب حركة تحيا تونس وحركة الشعب من الكابينة الحكومية، حيث ترفض هذه الأحزاب المشاركة في حكومة تضم قلب تونس الذي تتهم زعيمه نبيل القروي بالفساد والمحسوبية. وقال رئيس كتلة حركة تحيا تونس مصطفى بن أحمد إنه يدعم إلياس الفخفاخ وأن موقف النهضة منه يعنيها وحدها، مؤكدا أن حزبه ضمن حكومة الرئيس لا حكومة النهضة. وأضاف بن أحمد في تصريح خاص لـ”العرب” “إن استطاعت النهضة تمرير شروطها وإخراجنا من الائتلاف الحكومي فلتفعل ذلك”. ووفقا لهذه الشروط يجد الفخفاخ نفسه أمام معادلة صعبة، فالاستجابة لمطالب النهضة يزعزع الثقة في حكومة الرئيس والبرامج التي بنيت عليها حكومته، أما رفضه لها فسيقرب انتهاء مستقبله السياسي. وتراهن الحركة الإسلامية في حال تمسك الفخفاخ برفض مطالبها على استنساخ سيناريو رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيّد الذي سحبت الثقة منه بعد تمسكه بالبقاء في منصبه ورفضه لدعوات الاستقالة التي طالته. ويسمح سحب الثقة من الفخفاخ عبر البرلمان بعودة زمام تشكيل حكومة جديدة إلى حركة النهضة، أما في حالة الاستقالة فإن مهام تكليف رئيس حكومة جديد يعود لرئيس الجمهورية، فيما يتوقع محللون أن يطلب سعيّد من الفخفاخ تقديم استقالته لمواجهة حسابات النهضة. وصادقت النهضة (54 نائبا) على منح الثقة لحكومة الفخفاخ على مضض خشية إعادة انتخابات تقلص من النتائج التي حققتها، لكن عملت بعد ذلك على مناوشة رئيس الجمهورية بالتزامن مع تصعيدها ضد رئيس الحكومة. وأسس تجاوز رئيس النهضة والبرلمان التونسي راشد الغنوشي لصلاحيات رئيس الجمهورية لمشهد سياسي متوتر عمّق الضغوط على السلطة التنفيذية المنشغلة في محاصرة تداعيات انتشار وباء كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد. ويرى مراقبون أن إرباك النهضة لعمل السلطة التنفيذية يحقق لها هدفين استراتيجيين أولهما إعطاء الانطباع بأنها المتحكم الفعلي في استقرار المشهد السياسي وبالتالي لا يمكن تجاهل مطالبها كما يعتقد شركاؤها في الحكم وثانيهما تصفيه حساباتها مع سعيّد المناوئ لأجنداتها بعد دعوة أنصارها إلى التصويت له في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية العام الماضي. وقد تدفع حساسية المرحلة الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد وبوادر الاحتقان الاجتماعي التي تلوح في الأفق الفخفاخ إلى تقديم تنازلات تكتيكية ظرفية ويوافق عليها سعيّد لتهدئة المناخ السياسي، لكنها لن تبدد الخلافات القائمة. وقال الوزير السابق حاتم العشي في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك في تعليقه على مناورات النهضة "وجود النهضة في السلطة طيلة تسع سنوات شجعها على المواصلة في نفس الطريقة وهو إضعاف رأس السلطة ثم مقايضته".
مشاركة :