شكلت أحدث المؤشرات السلبية حول نشاط الاقتصاد التركي ولاسيما استمرار العجز في الميزان التجاري، صدمة أخرى للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يحاول تشتيت الانتباه عن سياساته التوسعية في المنطقة العربية، بعد أن زادت من منسوب المشاكل المالية للبلاد منذ تفشي الوباء. أنقرة - تعكس أحدث المؤشرات حول ارتفاع مستوى العجز التجاري في تركيا أن سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان لتحفيز الاقتصاد لم تطفئ آثار تداعيات أزمة فايروس كورونا. وأظهرت بيانات معهد الإحصاءات الثلاثاء قفزة قياسية في العجز التجاري مع نهاية مايو الماضي، بنسبة 102.7 في المئة بمقارنة سنوية، ليصل إلى 3.42 مليار دولار. وذكر المعهد أن الصادرات التركية انخفضت بنحو 40.9 في المئة وتراجعت الواردات بنحو 27.8 في المئة وذلك على أساس سنوي. وعز المعهد هذا الارتفاع الحاد في العجز إلى تأثير إجراءات احتواء تفشي فايروس كورونا في البلاد. ويقول محللون إن الشركات التركية تبحث بصعوبة عن فرص في الخارج بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة وفقدانها للكثير من الأسواق بسبب أجندات أردوغان التي قوضت علاقات أنقرة بالكثير من بلدان الشرق الأوسط والبلدان الغربية. وارتبكت حركة التجارة والإنفاق والتصنيع وثقة المستهلكين، التي وصلت مستوى قياسيا منخفضا، حيث دفعت إجراءات احتواء الفايروس الاقتصاد التركي نحو الانحسار الثاني له خلال أقل من سنتين. 3.42 مليار دولار العجز التجاري بنهاية مايو، بارتفاع بنحو 102.7 في المئة بمقارنة سنوية وتأتي الأرقام الجديدة في وقت تشهد فيه العملة التركية تدهورا بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المتردية في البلاد جراء الإجراءات التي يمارسها أردوغان فضلا عن سوء إدارته الأزمة المتعلقة بالوباء. ومع انتشار البطالة على نطاق واسع، ودخول القطاع السياحي في ركود رغم كل المحاولات لإنعاشه، فإن تركيا تواجه ركودا اقتصاديا مؤلما. ويرى خبراء أن تلك العوامل أدت جميعها إلى ارتدادات اقتصادية بينها تراجع السياحة والاستثمارات وانخفاض إيرادات البلاد من النقد الأجنبي. وبات الاقتصاد التركي على وشك الانهيار مرة أخرى بعد أن تضاءلت خيارات أردوغان إثر تلقي تصريحاته ووعوده الاستعراضية التي يواصل إطلاقها ضربة جديدة مع تفشي وباء كورونا المستجد. وأعادت السلطات قبل فترة فتح الاقتصاد بعدما تباطأ بشدة بسبب إجراءات احتواء تفشي كورونا، ويؤكد المسؤولون أنهم سيسعون لتجنب موجة ثانية من العدوى. وفاقم كورونا من الأزمة المالية لأنقرة بعد أن تعافت من أول ركود اقتصادي لها خلال عشر سنوات ليضربها الوباء بقوة. لكن الاقتصاد التركي يواجه بالفعل حالة من الركود مع تتالي البيانات الرسمية التي تشير إلى أن أنشطة الصناعات التحويلية انكمشت في مايو. وجاء ذلك بينما توقعت الخطوط التركية تراجعا حادا بأكثر من النصف في أعداد الركاب هذا العام بالمقارنة مع التوقعات الأولية، بينما تسببت إجراءات الغلق في ضرر كبير لقطاع السياحة. وفي سياق الوعود الحكومية لتحسين الاقتصاد والحدّ من التضخّم، أعلن مراد أويصال، رئيس البنك المركزي التركي في مارس الماضي، أنّ توقعاتهم للتضخم نهاية العام الحالي 7.4 في المئة، و5.4 في المئة لنهاية 2021. ويؤكد صندوق النقد الدولي أن من بين أعضاء مجموعة العشرين ستكون تركيا الأكثر تأثرا بانكماش تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني والثالث بحوالي 7.0 في المئة مع نهاية العام الجاري. ويرى محللون أن ميزانية الحكومة العام الماضي تم إنفاقها بسخاء، إلا أن السيولة النقدية قد تنفد اليوم وبالتالي قد تضطر السلطات إلى طباعة المزيد من النقود وهو ما من شأنه أن يزيد معدل التضخم. وتلكأت الحكومة في تقديم الدعم للشركات والقطاعات الاقتصادية المتضررة حيث تعاني تركيا أصلا من أزمات لا حصر لها وانهيار غير مسبوق في قيمة الليرة فيما سجلت مدينة إسطنبول أكبر مدنها خسائر كبيرة جراء الإغلاق وتقلص أعداد السياح. ولطالما ارتكز أردوغان على نظرية المؤامرة للتغطية على عجزه في إنعاش اقتصاد يعاني منذ سنوات بسبب سياسات خاطئة ساهمت في تواصل انهيار العملة التركية. وألقى مرارا بمسؤولية تدهور الاقتصاد على وقع نزيف العملة المحلية على عاتق المؤامرات الخارجية في محاولة يائسة ومفضوحة للتهرب من مسؤولياته وللتغطية على فشله في إنقاذ الاقتصاد. وكان لتدخل نظام أردوغان العقيم على مستوى أكثر من ملف إقليمي ودولي وخاصة في سوريا وليبيا أثر بارز في مزيد استنزاف خزينة الدولة التركية وتعزيز عزلة أنقرة.
مشاركة :