دخلت إلى المقطورة الثالثة التي اخترتها عمداً لعلمي بأنها تتوقف أمام مخرج المحطة التي أقصدها ! يا للكسل ! جلست على أحد المقاعد وقد ضمنت الجلوس لعشر دقائق على الأقل بسبب بعد محطتي ، فقررت أن ألتهم طبق السلطة الذي اخترت مكوناته بنفسي من أحد المحال التي تبيع أغذيةً صحية وهي التي بدأت تغزو أوروبا وبعض مدن شمال أمريكا بسبب ازدياد الوعي منذ بضع سنوات على حساب محال الأكل السريع ، دخلت بعدي سيدةُُ فرنسية في العقد الخامس لكنها تبدو في الرابع.. وقفت أمامي وكانت ترتدي رداءً قطنياً أبيض ، فهذه هي الموضة هذا الصيف في بلاد الصيحات ، تنتعل في قدمها حذاء عالي الكعب ذا مقدمةٍ تظهر أصابع قدميها الملونتين بدقة .. كرجل شرقي توشك أن تدعو السيدة الغربية الواقفة للجلوس بدلاً منك كنوع من الذوق ، إلا أن ذلك يعد نقيصةً لسليلات المرأة الفرنسية المطالبة بالمساواة والتي خرجت في مسيرة حاشدة إلى قصر ڤرساي إبان الثورة الفرنسية عندما قالت ماري أنطوانيت قولتها الشهيرة على من لا يجدون الخبز :»فليأكلوا الحلوى!». لم آكل الحلوى بعد لكنني بدأت بأكل السلطة إلى أن أوشكت على القضاء عليها الا من حبة بازلاءٍ يتيمة وأعين السيدة الأربعينية لا تبرح طبقي البلاستيكي وهي مستفزةُُ تتابع ملاحقتي بالشوكة لتلك الحبة يمنة ويسرة وكأنها صارت معركتها الحاسمة! لماذا لا نخاف من حسد الغربيين ؟ ثقافة الحسد والريبة تتفشى في حواضرنا فقط . السيدة تنشد الكمال وأنا أنشد إنهاء الطبق ، هذا ما تعلمناه في الطفولة كي لا تركض خلفنا هذه اللقمة ، كم هو إرث ثقيل. أنهيت وجبتي والقطار يشق طريقه بين المحطات ، أليست حياتنا شبيهةً بالقطار ؟ حركةُُ وتوقف.. أناس يهبطون وأناس يصعدون ؟ مكان يجمعنا ببشر لا نعرفهم لكننا لابد وأن نتعامل معهم ؟ ألا تبتسم الحياة لأناس و تقسو على آخرين؟ هذا الرجل الذي تبدو عليه علامات الثراء دخل للمقطورة بهدوء وكأن القطار ينتظره ، وذاك الآخر بدا منهكاً وسارع بالدخول من الباب الذي أوشك أن يغلق على ساقه ، هكذا هي الحياة.
مشاركة :