السياسات الاقتصادية لمرحلة ما بعد جائحة كورونا (5)

  • 7/17/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان من المحذور اللجوء إلى وصفات صندوق النقد الدولي والاقتراض الخارجي لتمويل متطلبات إنفاذ السياسة الاقتصادية الجديدة لمرحلة ما بعد كورونا، فلا بد من صياغة سياسة مالية/ اقتصادية وطنية بديلة تفي بالمتطلبات المالية للإنفاق الواسع الذي يتطلبه تحفيز النمو الاقتصادي وتسريع التنمية الاقتصادية المستدامة، وقد أوضحنا في مقال سابق أهمية وآلية الشراكة الاستثمارية بين القطاع الخاص والقطاع غير الربحي والمواطنين، ففي هذه المقال نتحدث عن آلية التحول من نمط الوزارات التي تعتمد كليا على التمويل الحكومي إلى الوزارات الريادية المنتجة التي تحقق إيرادات متنامية من تطويرها لمنتجات سلعية أو خدمية ذات قيمة مضافة وقبول عام اختياري، وليس إلزاميا يرهق المواطنين والمتعاملين معها بأعباء مالية جديدة مثل ما حصل في المرحلة السابقة حينما قام عدد من الوزارات باستحداث رسوم بل ضرائب جديدة ورفعت من أسعار المنتجات والرسوم القديمة التي أثرت سلبا على الاقتصاد الوطني والمجتمع عموما. وإنما ينبغي تحقيق قيمة مضافة وعوائد داعمة للميزانية العامة من خلال إنشاء اذرع استثمارية لوزارات الحكومة وهيئاتها العامة، تبادر بتأسيس مشروعات ريادية نموذجية مبتكرة في مجال اختصاصها المهني وبالمشاركة مع قطاع الأعمال، واحتضانها وتمكينها من المنافسة حتى تحقق نجاحا مشهودا، وإطلاقها دراسات جدوى لمشاريع ابتكارية جديدة، وإعلان استعدادها لدعم واحتضان وتمكين المشروعات من النجاح مقابل نسبة من أرباحها، والتعشيق مع قطاعات الإنتاج والاستثمار والتمويل، وخلق شراكات مع أصحاب المصلحة من القطاعات العامة والخاصة، واستثمار ما تمتلكه من أصول مادية، ومالية، وبشرية، ومعرفية، وتقنية، وجذب الاستثمارات ونقل التقنية، والاستفادة القصوى من برامج التعاون الدولي والإقليمي، بمعنى آخر التحول في فلسفة الوزارات من فلسفة الإدارة العامة إلى إدارة الشركات، وحتى نكون واقعيين في مقترحاتنا، نعطي مثالا بالتطبيق لمفهوم الوزارة الريادية المنتجة على وزارة التربية ، ونركز على جامعة البحرين التي تمتلك بحق مقومات يمكن ان تجعلها جامعة ريادية منتجة بأقل مدة ممكنة، ولا سيما انها حققت مكانة علمية مرموقة خلال السنوات القليلة الماضية، ويتوافر لديها موارد بشرية متنوعة التخصصات تمثل ثروة وطنية كبيرة، إذا أمكن استثمارها بالشكل الأمثل يمكن ان تدر عوائد كبيرة للجامعة والمجتمع، خاصة ان العديد من الدراسات العالمية في الدول المتقدمة، تنظر إلى الجامعـات علـى أنهـا المسـؤول الرئيـس الـذي يقـف خلـف التنميـة المسـتدامة فـي المجتمـع. وذلك في إطار الوظائف الرئيسية الثلاث للجامعة، والمتمثلة بالتعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، ففي مجال التعليم يمكن للجامعة ان تفتح مسارات جديدة تتمثل بقبول الطلبة الذين تقل معدلاتهم عن الحد الأدنى المعلن في الأقسام العلمية للكليات المختلفة بـ(1-10) درجات، وبالأقسام التي يرغبون بها مقابل ثمن يساوي متوسط أجور القبول في الأقسام العلمية المناظرة في الجامعات الأهلية، وبذلك نحقق ثلاثة أهداف: الأول تحقيق إيرادات مالية للجامعة، الثاني: استيعاب الطلبة المتمكنين ماليا والراغبين في الدراسة باختصاصات لا تؤهلهم معدلاتهم للقبول فيها في داخل البلاد ، بدلا من سفرهم خارج البلاد والدراسة في الجامعات الأجنبية مقابل ثمن، اما الهدف الثالث فيتمثل بأن هذا الإجراء سيكون حافزا للجامعات الخاصة لتحسين مستوى التعليم فيها، وخفض أجورها الدراسية. كما يمكن للجامعة التوسع في فتح أبواب القبول في الدراسات العليا ولمختلف الاختصاصات وبنفس الأسلوب المتعلق بطلبة الدراسات الأولية، والانفتاح على طلبة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية كافة، الأمر الذي ينعش السياحة التعليمية ويؤدي إلى وفورات اقتصادية تمتد لنحو تسعين قطاعا وفرعا اقتصاديا. ولأجل الا يكون خريجو الجامعة عامل ضغط جديدا على الحكومة في مجال التوظيف، يصبح من الضروري ان تركز الجامعة على مبادئ الريادة والإبداع وخلق فرص العمل، من خلال التعليم القائم على الإبداع والابتكار والمبادأة والتنافسية، وترسيخ ثقافة العمل الحر في نفوس وتطلعات طلابها، وتصميم مناهجها وتخصصاتها وفقا للمستحدثات والمستجدات المستقبلية في سوق العمل، وبالتالي تخريج طلبة قادرين على خلق فرص العمل. بالإضافة إلى توفير حاضنات أعمال وبيئة تنظيمية ديناميكية مواكبة للتطورات العلمية والتقنية المؤثرة في السوق، وعقد الشراكات مع البنوك والمؤسسات المالية، ومؤسسات رأس المال الجريء، لأجل توفير أفضل الفرص لخريجيها للدخول في سوق العمل. أما فيما يتصل بالوظيفة الثانية للجامعة ونعني بها البحث العلمي فمن الضروري توجيه أبحاث هيئاتها التعليمية وطلبة الدراسات العليا إلى البحوث التطبيقية التعاقدية التي تسهم في تطوير الشركات والقطاعات التي يتم التعاقد معها. كما ينبغي ان تتعدد وحدات ومراكز البحوث في الجامعة وفقا لتخصصاتها وما يناظرها من مؤسسات أعمال عامة وخاصة قائمة، وتوجه اغلب أنشطتها للبحث في انشغالات تلكم المؤسسات مقابل ثمن، بدلا من ان تتجه تلك الأموال للتعاقد مع بيوت الخبرة ومراكز البحوث الخارجية التي تتوافر للجامعة موارد بشرية وكفاءات لا تقل خبرة وكفاءة علمية عما هو متوافر لديها ان لم تكن أفضل منها. اما فيما يتصل بالوظيفة الثالثة (خدمة المجتمع) فتتمثل بالتركيـز علـى مشـاركة المجتمع والاهتمام بقضاياه وانشغالاته وإيجاد أفضل الحلول لها، والإسهام فـي صنع وتأهيـل قيـادات المجتمع على جميع الصعد السياسية والمهنية والفكرية والتقنية. ونقل المعـارف والتقنيـات التي تطور في الجامعة بشكل فعال لمختلف شرائح المجتمع، وتعزيز استقراره، ودفع تنميته والتغلب على مشكلاته، والمساهمة في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع في الحاضر والمستقبل. ان الجامعة يمكنها من خلال وظيفة خدمة المجتمع ان تحقق عائدا مزدوجا: من جانب يحقق الأهداف المالية للجامعة، ومن جانب اخر يحقق أهداف المجتمع التنموية، ويقدر عدد النشاطات التي يمكن للجامعة ان تقدمها بثمن للمجتمع من دون إخلال بوظائفها الأخرى، ما يزيد على مائة نشاط. انصب تحليلنا على قطاع واحد وهو الجامعة فكيف إذا امتد إلى قطاعات الوزارة ونشاطاتها الأخرى القائمة، والممكن إقامتها؟ بالتأكيد ستكون الإيرادات المتحققة كبيرة، وما ينجم عنها من حراك مجتمعي نافع، كبير جدا.‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :