السياسات الاقتصادية لمرحلة ما بعد جائحة كورونا (6)

  • 7/20/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ونحن نتحدث عن السياسات الاقتصادية لمرحلة ما بعد جائحة كورونا، لا بد ان نشير إلى حزمة المبادئ العامة التي ينبغي مراعاتها عند وضع واختيار خطط وبرامج تلكم السياسات ومن أهمها: ضرورة ان تتصف بالواقعية، وان لا تقفز على العوامل المؤثرة في حركة وبنية الاقتصاد الوطني، ومن ثم اختيار إجراءاتها ووسائلها على أسس ومعرفة تفصيلية بظروف المجتمع وإمكانات الاقتصاد، وأن تصاغ الغايات والأهداف بما يناسب الواقع القائم، والمرحلة التنموية التي قطعتها البلاد. وفي نفس الوقت الحرص على أن تكون الأهداف المنشودة واقعية وقابلة للتحقيق وللقياس، مع اعتماد الوسائل والآليات الممكنة والأكثر فاعلية من بين الآليات العديدة التي يمكن اعتمادها للوصول إلى ذات الأهداف. كما ينبغي ان تتصف السياسات الاقتصادية بالشمولية والتكامل بمعنى أن تشمل السياسات اغلب المتغيرات الاقتصادية ذات الصلة، وأن تستثمر اغلب الموارد والإمكانيات المتاحة، ان لم يكن جميعها، وفق جدول زمني ومراحل يكمل بعضها بعضا، وأن يتم التنسيق والتشبيك بين كافة القطاعات التي لها علاقة بالسياسات، وتحديد دور كل منها عند التنفيذ. فيما تعد المرونـة من المبادئ الهامة التي يتعين أن تتصف بها السياسات بما يمكنها من الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد، ومواجهة التغيرات والمستجدات، والتطورات المتسارعة عالميا وإقليميا، فضلا عن التطورات على الساحة الوطنية، بمختلف مجالاتها السياسية والاقتصادية والتقنية، بالإضافة إلى اعتماد مبادئ الشفافية، والإفصاح بصورة منتظمة، وفي الوقت المناسب عن المعلومات ذات الصلة بتنفيذ السياسات الاقتصادية. وانطلاقا من ضرورة ان تجد هذه المبادئ موقعا مناسبا ومؤثرا لها في السياسات الاقتصادية بدول العالم المتقدمة وتلك التي تنشد التقدم، نجد انها تخضع سياساتها الاقتصادية لمنهج الدراسات المستقبلية من ناحية، ولمبادئ الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، بحيث لا تتخذ قرارا ولا تعلن عن سياسة جديدة لم تضع تصورا مسبقا لنتائجها. كما ينبغي ان تسير جنبا إلى جنب مع السياسة الاقتصادية الجديدة سياسة تشريعية وإدارية ساندة ومكملة لها بالرغم من ان السنوات القليلة الماضية شهدت مراجعة شاملة للعديد من التشريعات السائدة في البلاد والتي تنظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية وغيرها، وتم إصدار ما يزيد على مائة قانون ومرسوم بقانون، منها ما هو جديد تماما ومنها ما هو تحديث لتشريعات سابقة، وبما يواكب متطلبات مرحلة ما قبل كورونا، متضمنة تشريعات داعمة لسياسات الإصلاح والتنمية الاقتصادية السائدة، ومراعية لمتطلبات تبسيط إجراءات الاستثمار وتيسير سبله. وقد كانت جائحة كورونا فرصة سانحة لاختبار مدى استجابة تلك التشريعات لظروف الأزمات المزدوجة، لذا ينبغي تعديل ما لم يستجب، وإصدار تشريعات مكملة تتناغم مع المرحلة القادمة. والأمر نفسه في المجال الإداري، سيما ان المرحلة القادمة تتطلب المزيد من التحول نحو الرقمنة واعتماد الوسائل التكنولوجية المعاصرة وعلى مختلف الصعد.وعليه فأننا نعتقد بضرورة إخضاع السياسات الاقتصادية المقترحة لمرحلة ما بعد كورونا لحوار اقتصادي بناء، ومدار بعناية، وفي إطار تجربة البحرين في الملتقى الحكومي السنوي، الذي قاده بفاعلية متميزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد العام النائب الأول لرئيس الوزراء، والذي مثل بحق خريطة طريق لمسار الاقتصاد والمجتمع في ظل البرامج الاقتصادية للحكومة، ولما احتواه من إجابات على كثير من الأسئلة التي تراود قطاع واسعا من المستثمرين والمواطنين على حد سواء، بحيث يصاغ إطار عام للسياسة الاقتصادية لمرحلة ما بعد كورونا من قبل مجلس التنمية الاقتصادية، متضمنا عددا من الخطط القطاعية والبرامج السنوية، وتوزع على مجلسي النواب والشورى، والوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي، وديوان الرقابة المالية والإدارية ومصرف البحرين المركزي، وجمعية مصارف البحرين، وغرفة تجارة وصناعة البحرين، وأقسام الاقتصاد والإدارة والمصارف في كليات ومعاهد ومراكز بحوث مملكة البحرين، والأقسام الاقتصادية في الصحافة البحرينية، ويطلب من كل هذه الجهات وغيرها إعداد أوراق نقاش لمحاور ومتضمنات السياسة الاقتصادية المقترحة، تتضمن توصيات واقعية وقابلة للتنفيذ، تركز على اقتراح أفضل البرامج لمعالجة الاختلال في هيكل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتحقيق تنويع مؤثر في مصادر الدخل، التي كانت ولم تزل الحكومة تسعى إلى الوصول إليها، وعد المرحلة القادمة فرصة تاريخية ينبغي عدم تضييعها لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني البحريني، خاصة وأن البلاد لا تنقصها الفرص الاستثمارية ذات القيمة المضافة العالية في القطاعات الصناعية والطاقة والسياحة والصيد والثروة البحرية والتعليم والتدريب والصحة والخدمات اللوجستية والخدمات المالية والمصرفية والتكنولوجيا المالية والاقتصاد الرقمي، وغيرها من المجالات، انما ينقصها المستثمر المواطن الجريء ذو النفس الطويل، والشراكة المؤسسية المنظمة بين القطاع العام والخاص والقطاع غير الربحي والمواطنين، بما يرسي بيئة استثمار ملائمة ومستوعبة للمستجدات الاقتصادية، ومحفزة للاستثمارات الوطنية، ومعززة للقدرة التنافسية على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، اخذين بنظر الاعتبار ما تشهده السياسات الاقتصادية الجديدة للعديد من دول العالم لمرحلة ما بعد كورونا، من تغيرات استراتيجية، تبرز ملامح التحول نحو المحلية والاستثمار في الداخل، والاعتماد على الذات، وإعادة النظر في سياسات العولمة، وترشيد الانفتاح على التكتلات الاقتصادية، الا بما يحقق المصالح الوطنية العليا، التي يمكن حساب عوائدها، وقياس نتائجها بدقة، ويعزز من الأمن الاقتصادي، بعد ان فشلت في مواجهة تداعيات تحدي كورونا، وأظهرت انكشاف الأمن الاقتصادي والصحي للعديد من دول العالم، والتركيز على التكامل مع دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما المملكة العربية السعودية باعتبارها العمق البشري والاقتصادي والاستراتيجي لمملكة البحرين.‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :