توقف القطار في المحطة كانت أمل منهكة من التعب والخوف من المصير المقدمة عليه .. رأت ايهاب فى انتظارها اصطحبها فى سيارته للسكن الذى وعدها به بيت من الطراز القديم كانت شقتها فى الطابق الثالث مكونة من ثلاث غرف وصالة. ودعها على ان يلقاها غدا فى التاسعة لأصطحابها الى العمل وضعت حقيبتها وكانت فى اشد الحاجه لحمام دافىء يهدئ من روعها ولكنها بمجرد ان فتحت الباب تجمد الدم فى عروقها البانيو على الطراز القديم يقبع فوق الأرض با اربعة ارجل كانت شاهدت مثله فى فيلم رعب حيث ان البطله حين توجهت لأخذ حمام تدفق الدم من الصنبور اصيبت امل بحاله من الرعب وخيل لها انها ستلقى نفس مصير البطله.. توجهت الى حجرتها وهى خائفه وسرعان ما اخلدت لنوم عميق وفجأه استيقظت على صوت هرج داخل الشقه ظنت انهم لصوص وأنها ستواجه نفس مصير بطلة الفيلم ولكن سرعان ما اكتشفت انهم رجلان يسكن كل واحدا منهم غرفه ..أسرعت بغلق الباب من الداخل و فى الصباح علمت من صاحب العمل ان احدهم مصرى والاخر فلسطينى وهم مستأجرين للغرف واخبرها بكل برود ان هذا شيئ طبيعى فى امريكا ولكنها عاتبته لأنه لم يخبرها بذلك كانت تلك هى اول صدمه لها فى ايهاب كإنسان تسلمت عملها كان كل شيئ على مايرام فيما عادا السكن وبدأت فى البحث عن سكن مستقل ولأنها كانت تبذل كل جهدها فى العمل وتقضى ساعات طويله تعلمت بسرعه واكتسبت احترام صاحب العمل فوعدها ان ينقلها فى استوديو صغير للسكن حتى تشعر بالراحه فقد كان يمتلك العديد من المنازل التى يشتريها قديمة ويعيد تجديدها ثم يعرضها للبيع من خلال شركته وطبعا لم يكن لديها وسيلة مواصلات فقامت بشراء دراجه خاصةً ان المسافه لم تكن طويله بين السكن ومقر العمل .. أوفى ايهاب بوعده وانتقلت للعيش بمفردها فى استوديو ولكن المنطقه لم تكن امنهوكعادة امل شرعت فى تطوير نفسها فألتحقت بالجامعه القريبه منها لتحسن مستواها فى اللغة بجانikب عملها فى مكتب المحاماه كذلك طلبت من ايهاب عمل أضافى فى شركة التسويق العقارى حتى تستثمر وقت فراغها لحاجتها الملحة للمال بسبب مسئوليتها الكبيرة تجاه اولادها فى مصر.وبالفعل كانت تعمل اكثر من اربعة عشر ساعه يوميا طوال ايام الاسبوع لم ينغص عليها حياتها غير مضايقات بعض الرجال فى عملها خاصة وان معظم زبائن ايهاب مصريين وعرب حتى ان احدهم تجرأ و ذهب لها ليلا ينتظرها امام البيت ولكنها نهرته وهددته بانها سوف تطلب له البوليس .. مرت الايام واستطاعت ان تدخر مبلغ من المال لا بئس به و اقنعها ايهاب ان تستثمر مدخراتها فى البورصه بشراء اسهم فهى تدر ارباح معقوله وبالتالي ستتمكن من العوده الى اولادها سريعا حيث انه لم يكن هناك اى امل فى قدومهم لأمريكا .. وبالفعل بدأت بمبلغ بسيط وبعد فترة كبر استثمارها فى البورصه مما اغراها ان تغامر بكل مدخراتها بدأت تحس بالراحه والاطمئنان الى ايهاب وبدأ هو يتقرب لها اكثر ويشجعها على الاقتراب منه .مضت بها الحياه هادئه احوالها الماديه فى تحسن تغدق على اولادها بالهدايا واغلى انواع الملابس تجعلهم يقضون الصيف فى احد القرى السياحيه والسفر والاستمتاع بالحياه كانت تريد ان تعوضهم عن غيابها قدر المستطاع أيضا لم تنسى اختها فقد حرصت على زيارتها بين الحين والاخر وكانت تذهب وهى محمله بالهدايا واللعب وافخر انواع الحلوي .. و كأنها تريد ان تقول لزوج أختها ها انا ذا قد انتصرت عليك ونجحت وحققت ذاتىوفي يوم علمت انه قد صدر قانون فى امريكا لتوفيق اوضاع الإقامة بها وبالفعل ذهبت لمحامي وعلمت ان عليها دفع غرامه لكي تسرع فى اجراءات الحصول على الجرين كارد وبالفعل حصلت عليه .. مر على تلك الاحداث ما يقرب من اربعة اعوام لم ترى فيها للاسف ابنائها .استعدت امل لزيارة اولادها لأول مره بعد طول انتظار كانت فى قمة الفرح والسعاده وأخذت فى ترتيب اوراقها قبل أول اجازة فقررت ان تستقل ماديا فقد اصبحت اقامتها قانونيه ولا داعى لأن يستثمر لها ايهاب وخاصه انها فى حاجه الى مبلغ من المال تنفقه مع اولادها فى اول زياره لها لمصر لتشعرهم بالبهجه وتعوضهم عن غيابها الطويل .طلبت منه ان يرد لها المبالغ التى يستثمرها لها فى البورصه لان الاسهم جميعا كانت باسمه فلم تكن لها اقامه قانونيه تمكنها من الاستثمار او شراء اسهم با أسمها وتداولها فى البورصه .. كان المبلغ وصل الى خمسه وسبعون الف دولار .. ولكنه بمنتهى البرود بدأ فى مساومتها بحجه انه من علمها المضاربه فى البورصه بالإضافة الى انه ساعدها فى توفيق اوضاعها وبعد عدة مناقشات ومشاجرات رفض ان يرد لها المبلغ بالكامل !! .. ضاع تعب ومجهود السنين وتعلمت الدرس القاسي بالا تثق فى احد وعليه تركت العمل معه وقطعت كل صلة لها به وتقدمت للعمل فى شركه امريكيه وبدأت حياه اخرى مستقره انتقلت الى حى اخر ليس به عرب او مصريين وبدات بدايه جديده تسعى فيها لتامين مستقبل اولادها واصبحت تزورهم مرتين فى العام وتقضى معهم اسعد ايام حياتها .. فى العمل تعرفت على مديرها وزوجته وكانت تدعوهم كثيرا لمنزلها وتطهو لهم الطعام المصرى الذى احبوه جدا واصبحت تحتفل معهم بكل الأعياد و المناسبات الامريكيه حتى انها كانت تشاركهم فى تحضير عشاء الكريسماس للكنيسه القريبه منهم بعمل الاكل المصري اللذى احبوه وبالتالى احبه كل اصحابهم وجيرانهم وفى المقابل اغدقوا عليها بالحب والنصح و الهدايا وساعدوها حتى حصلت على الجنسيه الامريكيه واشترت سياره جديده ومضت بها الأيام كبر الأولاد وانهوا دراستهم الجامعية وتزوجوا وكانت لهم خير عون .ولكن بطلتنا مازالت تجاهد من اجل اولادها التى افنت كل حياتها فى تأمين مستقبلهم واسعادهم ولم تهتم ان يكون لها حياه خاصه فقد ذابت حياتها من اجل ان يحيى اولادها والأن قمة سعادتها فى ابتسامة من احفادها او رضا أبنائها . وفي خضم الرحلة لم تكتفى أمل بتربية ابنائها وتأمين مستقبلهم فقط لكنها ولكن ارادت ان تستثمر وقتها فيما يجلب لها سعادة الدنيا والآخرة وان تبقي في الذاكرة ولذا وجهت كثير من مجهودها للعمل الاجتماعى والتطوعى.. اشتركت فى اكثر من مارثون لدعم الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصه ساندت بلدها مصر فى كل المواقف والأزمات التى تعرضت لها ونتيجه لجهودها الواضحه تجاه بلدها فقد كُرمت بواسطة وزاره الهجره ضمن ثلاثون سيده مصريه فى مؤتمر مصر تستطيع بالتاء المربوطة كذلك ساندت العالقين المصرين اثناء ازمة كرونا فايروس وساعدتهم اما بالعودة الى مصر او حل مشاكلهم فى امريكا والان أصبحت توجه جهودها أيضا لمساعدة ما يسمي بالجيل الثالث فى التعارف والارتباط حتى لاتضيع الهويه المصريه ويظل الابناء مرتبطين بمصر الام. والآن وقد اقتربت السفينه من نهاية الرحله لم يعد يؤرقها او يشغل بالها وهى تحيا فى الغربه وحيده غير انها تخشى الموت ولايشعر احدا بها .. فكل يوم للأسف يتم اكتشاف أن أحد المصريين توفى فى منزله منذ اسبوع او اكثر ولايعلم عنه احد ..ضحت امل نعم قاست نعم اثبتت ذاتها وأمنت مستقبل اولادها نعم ولكن أصبحت في حياة اخري أصبحت في عالم يحيطه القلق علي نفسها ومتي نهاية الرحلة واين الارض التي ستدفن بها وحيث ان السفينة لازالت تسير سلمت بطلتنا امرها الي الله ولم يبقي لها إلا ان توصي أهلها واصدقائها فى مصر انه حال انتهي اجلها وهي ليست بينهم أن يصلوا عليها صلاة الغائب ويتذكروها وكلما تذكروها يدعوا لها.. .
مشاركة :