من أكثر أناشيد الأطفال الرائجة في الكتب الدراسية لدينا تلك التي ترحب على ألسنة الصغار بكبش العيد ونطحه الشديد، قبل أن تتوعده بأن الجزار سيذبحه غدا بمدية الحديد، ليكون لقمة للابس الجديد، للشيّ والقديد وأكلة الثريد، وهو على ما أعتقد أول ما يصطدم به تلميذ المدارس الفقير من كشف حساب لواقعه، بالأخص عندما يكون والده عاجزا عن توفير الكبش واللباس الجديد، فإذا جاء العيد طالب بالكبش ليفرح كالآخرين من أبناء الذوات. أصبح أغلب متوسطي وضعاف الدخل يرهقون أنفسهم ويستلفون من البنك أو من الأهل والجيران لشراء أضحية من أجل عيون الأطفال، اليوم هناك مشكلة في أغلب الدول العربية وهي ارتفاع أسعار الأضاحي التي تتجاوز في الغالب راتب متوسط الدخل، البعض قد يقول وما المشكلة؟ فكل أعيادنا ومناسباتنا مرتبطة بالأكل والطعام، والولائم رفيق كل المحطات المهمة في حياة الإنسان منذ أن يولد حتى يغادر هذه الدنيا لملاقاة ربه. لاحظت من خلال الاطلاع على أسعار الأضاحي في أغلب الدول العربية، أنها لا تختلف كثيرا، بل أنها قد تكون في الدول الغنية أرخص من الدول الفقيرة، وقد تكون تلك الأسعار في دول الخليج التي تستورد أغلب أضاحيها أقلّ حدة من دول لديها مجال واسع لتربية المواشي، ما تفسير ذلك؟ لو تركنا المجال للمسؤولين الحكوميين، فإنهم سيدخلوننا من باب ويخرجونا من آخر، لا تستغربوا إذن من أن سعر الأضحية في فرنسا هو نفسه سعرها في تونس أو الجزائر إن لم يكن أقل منه، وبالتأكيد أن سعرها في أستراليا ونيوزيلندا أقل بكثير من سعرها في ليبيا والسودان. يبدو الوضع صعبا عندما نقف عند طبيعة العيد هذا العام والذي يتزامن مع أزمة اقتصادية ومالية بسبب كورونا تعد بنسب تحت صفرية لمتوسط التنمية في أغلب البلدان، خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الضغط الحقيقي للأزمة لم يظهر بعد، والأوضاع قد تتجه نحو حالة من الركود العام الذي سيفرض على الجميع التقشف، وربط الأحزمة بشكل غير مسبوق، ولكن يبدو أن الشعوب، وخاصة طبقاتها الفقيرة، لا تهتم بذلك، هناك اعتقاد لديها بأن الفقر صناعة حكومية. أحد الأصدقاء من ضعاف الدخل دعاني للذهاب معه إلى سوق الأضاحي، قال إنه تحصل على سلفة من البنك لشراء الأضحية حتى يبث الفرح في نفوس أطفاله، قلت له: وما الداعي لذلك؟ أليس من الأفضل شراء بعض الكيلوغرامات من اللحم للشواء وإعداد الكسكسي وادخار بقية المبلغ لما هو آت؟ فنحن مقبلون على فترة صعبة بسبب انكماش الاقتصاد المضروب بكورونا. ضحك صديقي ضحكة غير المبالي بتحذيرات الحكومة وقراءات الخبراء، وقال لي بكثير من الثقة في النفس: الخراف لا تصاب بكورونا، و”أهلا بكبش العيد”.
مشاركة :