دور المخابرات البريطانية والأمريكية في الإطاحة بمصدق (1-2)

  • 8/17/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نشرت صحيفة «أخبار الخليج» في يوم الإثنين 3 أغسطس 2020 مقالا في صفحتها الأولى بعنوان «تقرير يكشف للمرة الأولى أسرارا جديدة تفضح دور المخابرات البريطانية في الإطاحة بمصدق» نقلا عن مقال منشور في صحيفة الأوبزرفر البريطانية يوم الأحد 2 اغسطس 2020, والذي احتوى على معلومات معروفة عن دور عناصر من المخابرات البريطانية والأمريكية في الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا الزعيم الوطني محمد مصدق في 19 أغسطس 1953 وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي إلى الحكم, وعرفت العملية من قبل البريطانيين باسم «التمهيد» ومن قبل الأمريكيين باسم «أجاكس». اطلعت على المقال الأصلي المنشور باللغة الانجليزية عن قيام صانع الأفلام السيد تاجي أميراني بإعداد فيلم وثائقي عن مصدق. والمعلومات المذكورة عن تورط المخابرات البريطانية «أم أي 6» مع وكالة المخابرات الأمريكية «سي أي أيه» لإسقاط مصدق معروفة. وأي معلومات إضافية إذا تم الإعلان عنها لاحقا بمناسبة حلول الذكرى السنوية 67 لإسقاط مصدق وتبدو وكأنها إعادة صياغة لمعلومات سابقة لتبدو وكأنها جديدة ومثيرة، علما ان الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج والكاتب والصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل وآخرون أشاروا الى الدور البريطاني والأمريكي في تلك العملية منذ سنوات عديدة. ولكن السؤال ما الجديد في هذا الموضوع؟ ولماذا التهافت على الإشارة الى تلك الأحداث؟ والجواب لأن الدولتين لم تعترفا رسميا في ذلك الوقت بتورطهما في الإطاحة بمصدق رغم ان أغلب صحف العالم نشرت الكثير من المعلومات في فترات ماضية بدعوى أنها تسريبات ولكنها في الواقع تسريبات تدريجية ومدروسة بحسب أهميتها, بواسطة الصحف والمجلات والكتب الصادرة في تلك الفترة. وقد أجرى الكونجرس الأمريكي منذ عام 1970 تحقيقات أظهرت الدور البريطاني والأمريكي. وسببت إحراجا شديدا للبريطانيين لأنهم لم يعترفوا بدورهم إلى الآن في حين أن الأمريكيين اعترفوا بدورهم تدريجيا من خلال تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة مادلين أولبريت في عام 2000 وتصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالقاهرة في عام 2009 واعتراف وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي إيه» في 19 أغسطس 2013 بدورها بشكل علني للمرة الأولى, إذ أفرجت عن معظم الوثائق السرية بمناسبة مرور ستين عاما على تلك الواقعة التي تم الموافقة عليها من أعلى مستويات الحكومة, ونشرت الوثائق في أرشيف الأمن القومي, وهو معهد بحثي غير حكومي ومقره جامعة جورج واشنطن.وبعيدا عن الاسترسال وتكرار المعلومات العديدة عن دور الرئيس أيزنهاور والأخوان دالاس وضابط المخابرات كيرميت روزفلت الابن وهو حفيد الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت والجنرال فضل الله زاهدي والأخوان رشيدان وشعبان جعفري وإذاعة كود متفق عليه من الإذاعة البريطانية في نشرة الأخبار وتصريح الرئيس أيزنهاور لعمل قادم في خطابه وهناك آخرون تم ذكرهم وآخرون لم يتم ذكرهم لهم أدوار في إعداد عملية الإطاحة بمصدق, وتردد الشاه في القيام بتلك العملية والضغوط التي تعرض لها للموافقة عليها, فأنه لا بد من الرد على تساؤل السيد أميراني قبيل إصدار فيلمه الوثائقي «انقلاب 53» حيث قال: ‭}‬ ما زلنا لا نعرف من الذي سرب هذا إلى الأوبزرفر في الأصل أو لماذا نحن نعلم فقط أن أي سجل للمقابلة مع دار بيشاير اختفى بسرعة ولم يتابع أحد القصة.‭}‬ إنها تتستر على التدخل البريطاني حتى يومنا هذا» وقال التقرير إنه سبق لمعدي فيلم وثائقي آخر وهو «نهاية الإمبراطورية» تم إعداده في منتصف ثمانينيات القرن الماضي, أن أجروا حوارا مع دار بيشاير ولكن هذا الحوار اختفى تماما ولم يتم تضمينه في الفيلم.‭}‬ هذا الانقلاب لم يشكل فقط العلاقات الغربية مع إيران لمدة ستين عاما ولكنه غير الشرق الأوسط, تخيل لو كانت هناك ديمقراطية في إيران؟والجواب على تساؤله هو ان الإطاحة بمصدق كانت حتمية، سواء ان كان من قبل بريطانيا وأمريكا أو من قبل الاتحاد السوفيتي من خلال حزب تودة الشيوعي الذي كان يخطط للتخلص من مصدق كما حدث عندما تخلص الشيوعيون من بعض قادة دول أوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وما حصل لاحقا من تحريض الحزب الشيوعي الأفغاني رئيس الوزراء السردار محمد داوود خان للانقلاب على ابن عمه وصهره الملك محمد ظاهر شاه في عام 1973 وأسس جمهورية أفغانستان الداؤدية وبعد خمس سنوات تم اغتياله مع معظم أفراد عائلته أثناء انقلاب قام به محمد نور تراقي من حزب «خلق» الشيوعي, وبعدها بدأ مسلسل التناحر بينهم من قبل الأخوة الأعداء, «فقد قتل تراقي على يد حفيظ الله أمين والذي قتل على يد المخابرات السوفيتية «كى جي بي» وبابراك كارمل الذي توفي في عام 1996 بالسرطان في موسكو, وأحداث تدخل الاتحاد السوفيتي واحتلال أفغانستان في 25 ديسمبر 1979 معروفة ومأساوية وأدى إلى نشوب حروب عديدة مازالت مستمرة إلى الآن.يبقى هناك سؤالان إلى السيد أميراني: الأول: ماذا ستكون حالة إيران لو سقطت في أيدي السوفيت بواسطة حزب تودة ودخولها كما يردد الأمريكان تحت «الستار الحديدي؟» والثاني: ماذا ستكون حالة إيران لو وافق مصدق على عرض الرئيس ترومان بالتحدث والتفاهم مع شركة النفط الانجلو الإيرانية بعد ان ضغط عليها ترومان للتفاهم مع مصدق؟ وخاصة ان ما تم عرضه على مصدق تم عرضه لاحقا على الشاه الذي استفاد كثيرا من المداخيل النفطية الهائلة. قبل الحكم على مصدق والشاه محمد رضا بهلوي وباقي الأشخاص الذين أيدوا أو عارضوا الإطاحة بمصدق لا بد من الإلمام بمجريات الأحداث والأمور السائدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين معسكرين، الأول الدول الشرقية بقيادة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية والذي كان من أولوياته امتداد وتصدير أفكاره السياسية ونظامه الشيوعي إلى الدول الأخرى, والثاني الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد التصدي للنظام الشيوعي واستقطاب الدول الأخرى والأخذ بأفكارها السياسية ونظامها الرأسمالي المطبق منذ فترات طويلة, وتخلل ذلك نشوب حروب وصراعات منها: الحرب الأهلية اليونانية بين عامي 1946/1949 بين جيش الحكومة اليونانية المدعومة من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبين الجيش الديمقراطي اليوناني وهو الجناح العسكري للحزب الشيوعي اليوناني المدعوم من يوغوسلافيا وألبانيا وبلغاريا, وسيطرة الحزب الشيوعي على تشيكوسلوفاكيا, والحرب الكورية بين عامي 1950/1953.كانت فكرة قيام عمل ضد مصدق من قبل المخابرات البريطانية بعد أن أمم مصدق شركة النفط الانجلو إيرانية والتي عرفت فيما بعد بشركة النفط البريطانية ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقال المختصر قررت المخابرات البريطانية إشراك المخابرات الأمريكية لخوفها من الرد السوفيتي وصعوبة التواصل مع أعوانها لأن مصدق أغلق السفارة البريطانية في طهران ورحل الكثير من البريطانيين, وكان ذلك في أواخر فترة عهد الرئيس الأمريكي ترومان في عام 1952 الذي كان معارضا الإطاحة بمصدق إذ استقبله رسميا بواشنطن في عام 1951 وتسمية مصدق شخصية العام وتصدرت صورته على غلاف مجلة التايم. yousufsalahuddin@gmail.com 

مشاركة :