أدى تعنت مصدق في التفاوض مع شركة النفط, وتغير المسارات الاجتماعية والدينية والسياسية في إيران والخوف من سقوطها في الفلك السوفيتي عن طريق حزب توده الشيوعي, وخوف رجال الدين والملالي من مصدق, وانفلات الأمن في إيران, إلى تحفيز الرئيس الأمريكي الجديد دوايت ايزنهاور والأخوان جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي وشقيقه ألان دالاس مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك, على تنفيذ العملية التي نفذت مرتين. وقول آخر ثلاث مرات لفشلها في المرة الأولى واعتقال بعض منفذيها. وقد كانت الخطة تستلزم القبض على مصدق في منزله في منتصف الليل ولكن الانقلاب فشل لأن مصدق علم بالخطة وغادر منزله, وليعلم في صباح اليوم التالي من خلال الإذاعة عن فشل المحاولة الانقلابية. واعتقد مصدق أنه مسيطر على الوضع ولكن روزفلت لم ييأس ونظم محاولة أخرى ونجح في هذه المرة لأسباب عديدة, ولابد من ذكرها لأنها هي التي أدت إلى نجاح الانقلاب. إذ تردت العلاقات بين حلفاء الأمس وأعداء اليوم, بين مصدق واية الله الكاشاني وهو من العلماء المعروفين وكان أول من دعا إلى تأميم النفط قبل مصدق, وقد بدأت الحركة من مدينة قم بزعامته وقال قولته المشهورة: أيها (...) الإنجليز اتركو لنا بترولنا واخرجوا من بلادنا. وله دور بطولي بلبسه كفنه مضحيا بنفسه عندما حملته الجماهير على اكتافها بعد أن علم ان الشاه محمد رضا بهلوي أصدر أمره للجيش بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ولم يجرؤ أحد على قتله. ومن أقواله: ان النفط من أجل الأمة وليست الأمة من اجل النفط. وهدد بإصدار فتوى الجهاد إذا هاجمت إنكلترا إيران. كما ان حزب تودة الشيوعي ساند مصدق في البداية وعارضه بعد رفض مصدق ابتزاز السوفيت للحصول على امتيازات نفطية. وهناك كلمة حق يجب ذكرها عن الكاشاني, فرغم اختلافه مع مصدق فقد حذر مصدق من إبعاد رجال الدين والملالي وأنه في حاجة لهم وان هناك محاولة انقلابية ولكن مصدق لم يهتم بتحذيره. وأدى تدهور الأوضاع المعيشية في إيران بسبب عدم تمكنها من بيع نفطها في الأسواق العالمية بعد الحصار والعقوبات الاقتصادية إلى تذمر كثير من المواطنين والتجار والعمال الذين ساندوا مصدق في البداية, وانتشرت شائعات في أوقات مختلفة بأن مصدق شيوعي وان الكاشاني عميل شيوعي ومرة أخرى عميل انجليزي. واستغل ذلك كيرمت روزفلت الذي استطاع قبلها السيطرة على أغلب الصحف الإيرانية عن طريق دفع المبالغ النقدية كرشاوى. وقامت بدور مهم في الدعاية المناهضة لمصدق, واستطاع تجنيد العديد من رجال الدين والسياسيين وإقناع الشاه الذي كان مترددا بأن مصدق خطر عليه وعلى إيران بعد أن احتدم الصراع بين الشاه ومصدق في بداية أغسطس 1953, فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق وقام الجنرال فضل الله زاهدي في التاسع عشر من أغسطس 1953 بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران وقام روزفلت الذي هو القائد الفعلي للانقلاب بإعداد وإخراج تظاهرات معادية لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية وأوعز إلى شعبان جعفري بالسيطرة على الشارع وإطلاق الهتافات التي تحط من هيبة ومصداقية مصدق. أما القول بأن أخطر دور لعبته المخابرات البريطانية كان التورط في قتل قائد البوليس الإيراني في ذلك الوقت محمود أفشار طوس, وهي الواقعة التي أريد لها أن تؤجج عن عمد الاحتجاجات التي قادت إلى اعتقال وسجن مصدق, هو صحيح فقد تم اغتيال الكثيرين من أعضاء ومناصري الجبهة الوطنية وقياداتها التاريخية وصحفيين وضباط ومنهم وزير الخارجية الدكتور فاطمي في وضح النهار. وكما يقال ان الحقيقة لها أكثر من وجه ومهما اختلفت الآراء والأهواء عن مصدق فانه كان ومازال شخصية وطنية إيرانية واكتسب سمعة عالمية بكونه أول زعيم منتخب في منطقة الشرق الأوسط أمم النفط بغض النظر عن صحة أو خطأ قراره.ان سردي باختصار لبعض الأحداث والمعلومات عن الأسرة القاجارية والبهلوية والمحاولة الانقلابية للإلمام بالخلفية التاريخية لإيران وليس لأخذ موقف مع أو ضد طرف أو تبرير وخاصة ان المعنيين رحلوا إلى رحاب الله وكما قال أبو العتاهية: بأن لا شيء يبقى سوى الذكر الحسن وأعمال الخير الخالدة.الشعب الإيراني شعب عاطفي ومتدين ومحافظ ومعارض للوجود الأجنبي الاستعماري الروسي القيصري في الشمال والبريطاني في الجنوب منذ منتصف القرن التاسع عشر وضد تبذير الشاه ناصر الدين الذي فاق تبذير خديوي مصر اسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا إذ قام باقتراض الأموال ورهن موارد فارس بدعوى مواكبة التطور ما مكن انكلترا وروسيا من التحكم بفارس وحصولهما على امتيازات خطرة ومهمة وتسهيلات جمركية ومنافسة التجار المحليين وأشياء أخرى يصعب تصديقها. ومن المفارقات المضحكة هتاف المتظاهرين ضد الشاه مظفر الدين بن ناصر الدين بأنه أموي وليس شيعيا ويريد قتل المتظاهرين المحاصرين في المسجد كما استشهد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. كان امتياز المهندس وليم نوكس دارسى في سنة 1902 وسبقه امتياز معادن ونفط, منحه الشاه ناصر الدين للبارون جوليوس دى رويتر في سنة 1872 رغم المعارضة الشديدة من قبل الشعب الفارسي وروسيا القيصرية, أدى إلى أحداث أخرى ارتبطت بامتيازات أخرى كثورة الدخان والثورة الدستورية ما أدى في مرحلة لاحقة إلى إلغاء امتياز دارسى النفطي في سنة 1932.عين الشاه محمد رضا بهلوي مصدق زعيم الجبهة الوطنية رئيسا للوزراء مرتين بسبب تأييد الجماهير الكاسح لمصدق الذي كان شديد الانفعال والغضب وخاصة في خطبه الجماهيرية وكان يغمى عليه مما يلهب الجماهير المؤيدة له. وقد وزع ثروة النفط عليهم لرفع مستواهم الاقتصادي والتعليمي وله الكثير من الأعمال المهمة ولكن يؤخذ عليه تسلطه وعدم تشاوره مع زملائه وإصراره على كل مطالبه وافتقاره للدبلوماسية والمناورة، فقد أمم مصدق شركة النفط الانكليزية الإيرانية من دون مراعاة الامتيازات والاتفاقيات المبرمة وعندما طالبت انكلترا بتعويضها حسب الأعراف والقوانين الدولية أصر على تعويض أصول المشاريع والمباني ورفض تعويض الامتيازات النفطية.عارضت الولايات المتحدة الأمريكية في البداية محاولة إنكلترا الهجوم على إيران لأنها فضلت التفاوض واشترت بعض الشركات الأمريكية النفط الإيراني فهددت انكلترا بمقاضاة كل من يشتري النفط لأنه ملكهم ويعتبر مسروقا ولكن التطورات العديدة التي ذكرتها حفزت أمريكا على الاتفاق مع إنكلترا للتخلص من مصدق الذي حكم عليه بالإعدام في محاكمة صورية افتقدت الحيادية وخفف الشاه الحكم لاحقا إلى السجن الانفرادي ثلاث سنوات وإقامة جبرية مدى الحياة في قرية أحمد أباد الواقعة في شمال إيران وتوفي مصدق في 5 مارس 1967 عن عمر ناهز 85 عاما. yousufsalahuddin@gmail.com
مشاركة :