تونس – تؤسس محادثات التشاور المتواصلة حاليا في بلدة بوزنيقة المغربية، بين وفدين ليبيين يمثلان مجلس النواب في طبرق ومجلس الدولة في طرابلس، برعاية الأمم المتحدة لمرحلة انتقالية جديدة تعيد تدوير نفس الوجوه المتصدرة للمشهد السياسي الليبي منذ بدء الأزمة الليبية منتصف عام 2014. وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أنه سيتم خلال محادثات بوزنيقة المدعومة دوليا التطرق إلى جملة من الملفات الخلافية والقضايا العالقة، ضمن إطار مخرجات مؤتمر برلين، على أمل التوصل إلى رسم خارطة طريق تضع حدا للأزمة الراهنة وتُنهي معاناة الشعب الليبي. وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال الجلسة الافتتاحية للمشاورات، إن الحوار الليبي المنعقد في مدينة بوزنيقة “قد يكون مقدمة لاتفاقيات تنهي الأزمة الليبية”. وسبق أن زار رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري الرباط في نهاية شهر يوليو الماضي، بدعوة رسمية من المغرب، لكنهما لم يعقدا اجتماعا بينهما، حيث اقتصرت زيارتهما على إجراء اجتماعات ولقاءات منفصلة مع عدد من كبار المسؤولين المغاربة. إسماعيل الشريف: نُبارك كل لقاء من شأنه تبديد مخاوف الأطراف السياسية إسماعيل الشريف: نُبارك كل لقاء من شأنه تبديد مخاوف الأطراف السياسية وانطلقت المحادثات الليبية – الليبية المُخصصة للتشاور حول تفعيل العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، وذلك في جولة هي الأولى بعد حراك سياسي ودبلوماسي تلا الإعلان قبل أيام عن قرار لوقف إطلاق النار على طول جبهات القتال في ليبيا. وتجري هذه المحادثات في بلدة بوزنيقة الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي بجنوب العاصمة المغربية الرباط وليس في قصر المؤتمرات بالصخيرات الذي احتضن المحادثات الليبية السابقة التي انتهت بالتوقيع على اتفاقية الصخيرات في عام 2015. وقالت مصادر ليبية لـ”العرب” إن هذه المحادثات التي ستتواصل على مدى يومين تأتي تجسيدا للجهود المغربية برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية. ويُنتظر أن تحدد خارطة الطريق مواعيد تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية على أساس دستوري، ووضع آليات لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، إلى جانب بلورة مشروع لمُعالجة الأزمة الأمنية والاقتصادية، على أن تتم مناقشتها في المحادثات الليبية – الليبية، المُزمع عقدها في جنيف خلال الأسبوع المقبل. ورغم الأجواء الإيجابية التي أثارتها هذه المحادثات التي تُشارك فيها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، فإن ذلك لم يمنع من تباين الآراء والمواقف الليبية حولها، وسط ترحيب مشوب بالحذر، وخشية من اختزال أعمالها في مسائل تتعلق بـ”تقسيم الغنائم، وتوزيع المناصب”. ولم يتردد النائب الليبي عن الجفارة، إسماعيل الشريف، في الترحيب بهذه المحادثات والمشاورات؛ حيث قال في اتصال هاتفي مع “العرب” “في المُجمل نحن نُبارك كل لقاء ليبي – ليبي من شأنه تبديد مخاوف الأطراف السياسية، وتعزيز الثقة في ما بينها بما يُساعد على التوصل إلى تسوية سياسية تُعيد السلم والاستقرار إلى ليبيا”. واعتبر أن الإطار العام لهذه المحادثات والمشاورات هو “تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين لوضع أرضية تُمهد لمرحلة من التهدئة قد تمكّن من زرع بذور الثقة، بما يُساهم في معالجة الجروح الغائرة التي تسبب فيها استمرار الصراع”. وأعرب في المقابل عن أمله في أن يتم خلال هذه المحادثات “التركيز على السبل الكفيلة بتجاوز المرحلة الحالية بكل ما أفرزته من معاناة، وليس التركيز على تقاسم المغانم من خلال توزيع المسؤوليات”. وتردد في وقت سابق أن المشاركين في هذه المحادثات سيتطرقون إلى وضع آليات لتغيير الشخصيات التي ستتولى قيادة المؤسسات السيادية، والاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي جديد يتكون من رئيس ونائبين، وتشكيل حكومة جديدة على قاعدة المحاصصة المناطقية تأخذ بعين الاعتبار واقع الأقاليم الليبية الثلاثة. Thumbnail ووفقا لعدد من النواب البرلمانيين تحدثت إليهم “العرب”، فإن هذه الآليات ستُبقي على البرلمان في طبرق ومجلس الدولة كممثلين شرعيين وحيدين في ليبيا، وذلك خلال فترة انتقالية لا تقل عن خمس سنوات، إلى جانب توزيع بعض المناصب السيادية على الأقاليم. وتشمل هذه المناصب هيئة الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، والنائب العام، والمحكمة العليا، ومفوضية الانتخابات، وغيرها من المناصب الأخرى الأمنية والعسكرية، وخاصة منها منصبَيْ رئاسة الأركان العامة للجيش وجهاز الاستخبارات العامة. واعتبرت ابتسام الرباعي، النائب في البرلمان الليبي عن الجفارة، أن محادثات بلدة بوزنيقة قد تشكل مقدمة لكسر الجمود السياسي، وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أنه “بشكل عام، أي فتح لباب الحوار حتى لو لم يكن مدروسا فهو جيد، لأن ليبيا مرت بفترة حرب واستخدام القوة قفل معها كل باب للحوار ودفع الشعب ثمنها”. وشددت الرباعي على أن” كل المفاوضات، سواء في المغرب أو في جنيف، تصب في تشكيل حكومة وتقسيم المناصب” لافتة في الوقت نفسه إلى أنه “ليس هناك حل مثالي في ليبيا، والمحاصصة موجودة، لكن مجرد انتقالنا إلى مرحلة حكومة موحدة هو بداية الحل”. ولم يمنع هذا الترحيب الحذر من بروز آراء رافضة لمحادثات المغرب، حيث لم يتردد البرلماني الليبي علي التكبالي في الإعلان عن رفضه إجراء حوار سياسي بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة ممثل الإسلاميين، والتحذير من نتائجه التي “ستجلب معها كارثة جديدة ” لليبيا. واعتبر التكبالي أن أعضاء وفد البرلمان المشارك في هذه المحادثات “لن تكون لهم القدرة على التصدي لدهاقنة الإخوان، وزعيمهم خالد المشري الذي سيُشارك فيها”، وذلك في الوقت الذي لا تُخفي فيه عدة أوساط سياسية تخوّفها من أن يتم خلال هذه المحادثات تجاهل “الدور التركي التخريبي في ليبيا” الذي غير موازين الصراع، وأطال أمد الأزمة.
مشاركة :