توقع مختصون ومحللون نفطيون استمرار التقلبات السعرية خلال الأسبوع الجاري، بعدما انخفضت أسعار النفط في ختام الأسبوع الماضي بنحو 3 في المائة، لتسجل أكبر خسارة أسبوعية منذ حزيران (يونيو) الماضي جراء الشكوك المحيطة بالطلب والمخاوف المتعلقة بنمو الاقتصاد العالمي في ظل استمرار تأثيرات جائحة كورونا الواسعة. وأشار المختصون إلى أن السوق تتلقى دعما من تقلص المخزونات النفطية، إضافة إلى جهود "أوبك +" الواسعة لتقييد المعروض مع تحسين امتثال الدول الأعضاء لحصص خفض الإنتاج، وهو الأمر الذي سيتم مراجعته خلال الاجتماع الشهري الرابع على التوالي للجنة الوزارية المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج التي تلتئم عبر تقنية الفيديو في منتصف الشهر الجاري. وقالوا لـ«الاقتصادية»، إن سوق النفط الخام يكافح بشدة من أجل تصحيح مساره في ظل الضغوط القاسية والمتنامية للجائحة، لافتين إلى أن التعافي على الطلب العالمي للنفط الخام ما زال بطيئا وأقل من طموحات السوق، ما يعني تأخر الوصول إلى نقطة استعادة التوازن في سوق النفط، وبالتالي زيادة الضغوط الهبوطية على أسعار النفط الخام. وذكر المختصون أن أسعار النفط الخام تضاعفت أكثر من الضعف منذ نيسان (أبريل) الماضي إلى نحو 45 دولارا للبرميل، لكنها لا تزال منخفضة بأكثر من 30 في المائة هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لافتين إلى تقييمات طرحها ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي يرجح فيها أن الطلب عاد إلى 90 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة، لكن السفر المحدود وترتيبات العمل من المنزل تبطآن الانتعاش. وفي هذا الإطار، يقول روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش آي" الدولية لخدمات الطاقة، إن تقلبات الأسعار هي سمة مستمرة في السوق بسبب غياب الأفق واتساع الشكوك والمخاوف بشأن العرض والطلب، موضحا أنه في نهاية النصف الأول من العام الجاري كانت التوقعات مرتبكة بشأن توازن العرض والطلب على النفط الخام، حيث ذهب البعض إلى أن تخفيضات "أوبك +" وانكماش الإمدادات الأمريكية قد يقودان إلى عجز في العرض في النصف الثاني من العام. وذكر أن هناك مؤشرات على زيادة واسعة في عمليات سحب مخزونات النفط الخام الأمريكية في الأسابيع الأخيرة، لكن ذلك لم يترجم إلى تعاف قوي وسريع في الطلب العالمي بسبب استمرار ضعف استهلاك وقود الطيران، نتيجة تعثر هذا القطاع في ضوء استمرار الإصابات الجديدة بالوباء. ويرى دامير تسبرات مدير تنمية الأعمال في شركة "تكنيك جروب" الدولية، أن أسعار النفط الخام تدور حول مستوى 40 دولارا للبرميل، وهو مستوى غير ملائم لمعظم الشركات الأمريكية، التي تتسم بارتفاع التكلفة، وإذا استمر هذا المستوى في الأسابيع المقبلة – وهو أمر متوقع – قد نشهد انكماشا جديدا في الإمدادات الأمريكية وفي أنشطة الحفر التي تعافت بشكل خجول ومحدود في الأسبوع الماضي، خاصة في ضوء تقديرات دولية تشير إلى حاجة الشركات الأمريكية إلى مستوى فوق 50 دولارا للبرميل للانتعاش مجددا. ولفت إلى أن مجموعة دول "أوبك +" تبذل جهودا مكثفة للسيطرة على وفرة العرض وتحث المتباطئين في الامتثال – الذين يواصلون زيادة الإنتاج فوق حصصهم - على التوقف عن ذلك، والالتزام بشكل جاد باتفاق خفض الإنتاج من أجل التغلب على الضغوط الهبوطية الحادة على الأسعار، التي تفاقمت مع تسارع الإصابات بفيروس كورونا. ويقول بيتر باخر المحلل الاقتصادي ومختص الشؤون القانونية للطاقة، إن "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية خفضا توقعاتهما لنمو الطلب على النفط الخام، عقب تقديرات سابقة وصفت بأنها كانت أكثر تفاؤلا، لذا جاءت تقديرات الطلب للمنظمتين الكبيرتين في آب (أغسطس) أكثر دقة وأعمق في التحليل، حيث تم الأخذ في الحسبان استمرار معاناة الطلب على الوقود واستمرار حالة عدم اليقين بشأن تأثير الوباء في الاقتصادات وعلى النقل خاصة الطيران، مشيرا إلى أن تعافي الأسعار وتحسن معنويات السوق مرهونان بالفعل بتجاوز مرحلة الطلب المتعثر والنمو البطيء له. وذكر أن الاجتماع الشهري المقبل للجنة الوزارية لمراقبة خفض الإنتاج خلال أيام مقبلة سيقوم بمراجعة تطورات السوق والبحث في آليات أكثر فاعلية للسيطرة على تباطؤ الطلب في مقابل استمرار تخمة ووفرة المعروض النفطي، معتبرا أن الموجة المطولة من وباء كورونا هي السبب الرئيس وربما الأوحد حاليا في تزايد مخاطر السوق وقلق التجار والمستثمرين. بدورها، تقول أرفي ناهار مختص شؤون النفط والغاز في شركة "أفريكان ليدرشيب " الدولية، إن استمرار تأخر استعادة التوازن في السوق يزيد من تكهنات استمرار تقلب الأسعار وبقائها في مستويات ربما أقل من المتوسط، وقد انعكس ذلك على تراجع أسعار العقود الآجلة للنفط وبقاء هوامش التكرير خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ضعيفة وسط عودة ظهور حالات الإصابة بالوباء، وقد أدى ذلك بدوره إلى تعزيز صناديق التحوط مراكزها القصيرة خلال الشهرين الماضيين. ولفتت إلى أن ضعف الدولار كان هو الداعم الوحيد لأسعار النفط في أسابيع ماضية، لكن الأسبوع الماضي شهد ارتفاعا مفاجئا في قيمة الدولار، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط مرجحة أن استمرار صعود الدولار وتعثر الطلب سيزيدان الأعباء على السوق حيث ينتج عنه تباطؤ واسع في إعادة التوازن بين العرض والطلب ومن ثم التأثير في أسعار النفط سلبا في المدى القريب. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار في ختام الأسبوع الماضي، هبطت أسعار النفط الخام بأكثر من 3 في المائة يوم الجمعة، وتكبدت أكبر خسارة أسبوعية منذ حزيران (يونيو) الماضي، بسبب ضعف الطلب العالمي والقلق من تباطؤ التعافي الاقتصادي، نتيجة تأثير جائحة كورونا. وخسر خام برنت 5.3 في المائة على أساس أسبوعي، بينما خسر الخام الأمريكي 7.4 في المائة، وتراجعت أسعار النفط خلال تعاملات الجمعة، وزادت خسائرها حتى هبط الخام الأمريكي إلى أدنى حاجز 40 دولارا للبرميل، وذلك وسط ارتفاع الدولار أمام أغلب العملات الرئيسة. وارتفع مؤشر الدولار (أمام عدد من العملات الرئيسة) بحلول الساعة 17:42 بتوقيت جرينتش 0.2 في المائة إلى 92.8 نقطة، وسجل أعلى مستوى عند 93.2 نقطة في حين سجل أقل مستوى عند 92.6 نقطة. وتجدر الإشارة إلى أن المستثمرين ينتابهم قلق حيال الطلب العالمي على النفط ومشتقاته في ظل استمرار أزمة فيروس كورونا. وعلى صعيد التعاملات، هبطت العقود الآجلة لخام "نايمكس" الأمريكي تسليم تشرين الأول (أكتوبر) بحلول الساعة 17:39 بتوقيت جرينتش 3.8 في المائة إلى 39.8 دولار للبرميل، وسجل أعلى سعر عند 41.8 دولار وأقل سعر عند 39.7 دولار. وانخفضت العقود الآجلة لخام "برنت" تسليم تشرين الثاني (نوفمبر) 2.9 في المائة إلى 42.7 دولار للبرميل، وسجل أعلى سعر عند 44.5 دولار وأقل سعر عند 42.5 دولار. وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، إن عدد حفارات النفط والغاز العاملة في الولايات المتحدة – وهو مؤشر مبكر على مستقبل الإنتاج – زاد بواقع 2 ليصل إلى 256 في الأسبوع المنتهي في الرابع من أيلول (سبتمبر)، وهذه هي المرة الثانية في ثلاثة أسابيع التي ترفع فيها شركات الطاقة عدد الحفارات.
مشاركة :