هناك قدر جميل من الشهرة يحظى به المرء في حدود اختصاصه.. كأن تكون أفضل طبيب نساء، أو أفضل مدير مالي، أو أفضل مدرس لغة عربية.. هذه شهرة مفيدة تعبر عن تميزك في مجالك فيزيد الطلب عليك!. إلا أن هناك شهرة فارغة يقصدها البعض كغاية في حد ذاتها.. إلى درجة ارتكاب السخافات على منصات التواصل لجمع المتابعين والمعجبين.. أن تصبح وجهاً معروفاً لرجل الشارع العادي.. شهيراً لدرجة تصدر التريند والانتشار «الفايرال».. فهنا تبتسم الشهرة مكشرة عن أنيابها ويتضح وجهها المظلم!. في هذه المرحلة تظهر مشكلة أسميها «متلازمة النجم».. مفادها أن النجم المشهور تراه كثيراً وتتفاعل مع أعماله عاطفياً وفكرياً، إلى درجة أن عقولنا قد تنخدع بذلك، وتعتبره إنساناً مقرباً مألوفاً ضمن محيطنا الاجتماعي! وحين تقابل شخصاً شهيراً، تشعر برغبة في تحيته أو السلام عليه وكأنه صديق حميم.. وقتها تذكّر هذه الحقيقة الصادمة: هذا النجم لا يشعر تجاهك بذات الحميمية لأنه لا يعرفك! أنت شخص غريب عنه! «متلازمة النجم»، هي التي تجعل كثيراً من المشاهير يتهمون بالتعالي دون أن يفعلوا شيئاً.. وهي التي تجعلهم كالسجناء في بيوتهم يتجنبون الأماكن العامة.. وتجعل الناس أكثر تباسطاً وتجاوزاً لحدود اللياقة عند التعامل معهم، والأخطر من ذلك، أكثر قسوة في إهانة الشخص المشهور إن صدر منه تصرف لا يعجبهم.. لأنهم يفترضون أنه «واحد منهم»، ومن العار أن يحيد عن ذلك، وإلا شعروا بأنه يخون العِشرة ويخذلهم بشكل شخصي.. كيف يجرؤ! يتابع النجم ملايين الأشخاص على مواقع التواصل، كل منهم يشعر على هذا النحو.. والطبيعة النفسية للإنسان ليست مهيأة لاستيعاب هذا العدد من البشر أصلاً.. متوسط القدرة الاستيعابية لعقلك هي 150 شخصاً فقط «حسب نظرية دنبار» كأقصى عدد أشخاص يحتاج الإنسان للتعامل معهم في حياته الواقعية.. ولذلك يكون وقع آلاف الانتقادات في الفضاء الرقمي أكثر قسوة مما يمكن لعقولنا احتماله.. ليس من المألوف في حياتك العادية -وأنت شخص لطيف مهذب- أن يتجمع حولك آلاف الأشخاص كي يهاجموك لأن لك رأياً قد لا يروق لهم! ولهذا كثيراً ما أنصح أصدقائي المشاهير بعدم الإفراط في قراءة التعليقات للحفاظ على استقرارهم النفسي.. وتكليف شخص آخر بحذف وحظر أصحاب التعليقات المسيئة.. لأن المليون متابع على مواقع التواصل، ليسوا جميعاً معجبين بآرائك أتوا كي ينهلوا من فيض حكمتك، بل إن منهم من يتابعك خصيصاً ليهاجمك.. هناك مراهقون منفعلون ومرضى نفسيون ومحبطون.. يشعرون بالإنجاز عند استفزاز شخص مشهور إلى درجة الرد عليهم.. لو تفرغت للرد والنقاش مع الآلاف لن تجد وقتاً لممارسة ما جعلك شهيراً وناجحاً بالأساس! ليست الشهرة براقة كما قد تراها من بعيد.. قد لا تأتي بأي مكسب مادي أو معنوي، مثل مشاهير «الميمز» الذين لم تغنهم شهرتهم شيئاً.. وتعرضك لخطر تلفيق التصريحات أو اجتزاء كلامك وتربص الباحثين عن الفضائح.. وتجعلك ملكاً للجميع ولهذا ثمن باهظ.. هل فكرت في شعور أطفالك وشريك حياتك وهم يقرؤون كلام آلاف المتطاولين على والدهم/ والدتهم؟ يمكنك مشاهدة فيلم Mother لدارين أرونوفسكي، الذي جسد بشكل فانتازي جانباً من معاناة أسرة شخص بسبب شهرته! ينساق الملايين خلف أهداف لا تعدو عن كونها سراباً لا يؤدي لسعادة دائمة كما يظنون.. فقدّر قيمة ما أنت فيه، وتأكد من أن هدفك يحقق ما تصبو إليه حقاً، قبل أن يغويك بالسعي إليه.
مشاركة :