لو طلبت منك أن تذكر مشاهير اليوم، الذين بدأت شهرتهم مؤخراً لا منذ سنوات عديدة، ستجد أن نسبة كبيرة منهم يقدمون محتوى ضحلاً أو صادماً أو حتى مبتذلاً.. ولك في الفيديوهات المليونية على «اليوتيوب» عبرة! هل أصبح الابتذال هو المفتاح السحري للشهرة؟ هذا هو التفسير السهل.. إلا أن للموضوع خلفيات أعمق من ذلك بكثير، تتعلق بكيفية صنع النجم في الأساس. منذ سنوات قليلة كان لا بد أن تظهر في التلفزيون أو الإذاعة، أو تلتفت إليك الصحافة كي تصبح مشهوراً.. فهذه المؤسسات «الإعلامية» هي التي «تُعلم» الناس بشأنك.. وكان لصاحبة الجلالة حراس يحمون بواباتها الذهبية، لا بد أن يرضوا بمستواك - على الأقل - ليسمحوا لأعمالك بالعبور كي يراها الناس. وعلى الرغم من أن الجمهور يبحث عن الطريف والسهل والمسلي، إلا أن هذا الوضع، جعل أمام عينيه في الجريدة حواراً مع شخصية مهمة قد تعلق صورتها في ذهنه، أو في التلفزيون أو برنامجاً ثقافياً قد يطالعه في انتظار المسلسل الذي يتابعه.. كان هذا يحفظ بعض التوازن في إبراز من يستحقون الشهرة حقاً، كالباحثين والمثقفين، فأصبحوا شخصيات عامة. بالطبع، اختفت هذه الآلية تدريجياً، إلى أن جاءت الإنترنت، حيث أصبح الجميع يكتبون بحروف أنيقة تبدو مثل الكلمات المطبوعة لكبار الكُتاب، ويصورون أنفسهم فيديو كي يراهم الجميع من دون حاجة لدخول مبنى التلفزيون.. أصبح النشر أكثر سهولة، لكن ليس الشهرة.. فلن تنال الشهرة إلا حين يرضى عنك السدنة الجدد: خوارزميات مواقع التواصل. هذه اللوغاريتمات الصماء ليست ليس بالشرف والنزاهة التي قد يتصورها البعض. فهي ليست مضطرة إلى إبراز المحتوى الذي يستحق المتابعة، أو الشخص الذي يقدم شيئاً ذا قيمة.. بل - فقط - ما يجذب المشاهدات والشيرات واللايكات لضمان تدفق نقود الإعلانات، تعطيك ما تشتهي ويثير لعابك ويدغدغ رغباتك. هذه الصيغة المادية البحتة، جعلت ما يطفو على السطح هم أصحاب الفيديوهات الأكثر فجاجة.. إذ لن تُظهر لك السوشيال ميديا الممثل متفجر الموهبة «حمزة العيلي»، لكنها ستظهر لك صورة كيم كارداشيان الجديدة أو تصريح ساذج لمغني مهرجانات غير متعلم، بسبب تكاثر تعليقات المعجبين والمنتقدين والساخرين.. وهي النجومية التي تجبر الإعلام التقليدي على تغطيتها كظاهرة إعلامية لا يمكن تجاهلها. هكذا - ببساطة - يُصنع النجم في هذا العصر. هذا الوضع الجديد، يضعنا أمام مسؤولية جديدة.. وهي صنع نجوم يستحقون الشهرة لخلق التوازن المطلوب في العقل الجمعي للمجتمع (مثل عالم الفيزياء الفلكية «نيل ديجراس تايسون» الذي يقدم علمه بصورة جذابة مضحكة مفعمة بالجرافيكس بمساعدة فريق عمل متكامل يضمن عنصر التسلية والإبهار) أصبح هذا ضروريا.. كي يسمح لنا الروبوت حارس البوابة بالعبور، لمزاحمة المحتوى الرقمي المفعم بأغاني المهرجانات!
مشاركة :