ونحن نحتفل بالذكرى السابعة والأربعين لنصر السادس من أكتوبر 1973، يدعو علماء الدين جموع الشعب إلى الحفاظ على مقدرات وطنهم والالتحام خلف قيادته، وطالبوا بالتصدى للمتطرفين أعداء الوطن الذين يريدون زعزعة استقراره وبث روح الفرقة بين أبنائه من خلال بث شائعاتهم وأكاذيبهم أهمية تعزيز قيم الوطنية والانتماء لدى الشباب والناشئة وبث روح أكتوبر فى نفوسهم بما يدفعهم لإتقان العمل وحفظ الوطن، ويحصنهم من الانسياق وراء المغرضين والمشككين ويتصدون للحروب النفسية التى تحاك ضدهم إذا كنا قد انتصرنا على أعداء الخارج فى أكتوبر 73، فإننا لا نزال نخوض حربا خفية مع أهل الشر وأعوانهم الذين يستهدفون أمننا واستقرارنا فى الداخل.منزلة الأوطان والدفاع عنها، من أهم ما يجب أن نعرفه جميعا، فكل كائن حى يفتقر إلى مكان يقيم فيه، ويرتبط به بعد فترة من الزمن، يستوى فى هذا الإنسان والحيوان، والطير، والحشرات، وقد فطرت هذه الكائنات على حب موطنها، والدفاع عنه حال الاعتداء عليه، والإنسان أولى بهذا من هذه الكائنات، وقد صرح القرآن الكريم، بالربط القوى بين الإنسان والأرض التى يقيم فيها، وفى هذا جاءت آيات القرآن تؤكد الربط القوى بين الوطن والإنسان، كما أن الإسلام جعل الإخراج من الوطن (عقوبة تأديبية)، للزانى غير المحصن وللبغاة الساعين فى الأرض فسادا، «أو ينفوا من الأرض».الإقامة فى الوطن عز وكرامة وقيمة، ولهذا أصبح الدفاع عنه فرض عين، على كل مقيم فيه، لأن بسقوطه وإهداره إهدارًا للكرامة والمنزلة، بل الآدمية، وحين يسقط الوطن، تسقط العزة، والأنفة والمنعة، ويكون الصغار والهوان، وقد ابتلينا بهذا فى نكسة 5 يونيو 1967 ولكن شاءت إرادة الله أن يسقط جزء من الوطن دون أن تسقط الإرادة، وأن نفقد السلاح دون أن نفقد العزيمة، وأن ينصرف كثيرون عنا، فكان لجوؤنا إلى الله، وقد استنصرنا إخواننا العرب والمسلمين، فنصرونا، فكان الإعداد والاستعداد لأداء فرض العين، وهو قهر وكسر وطرد المعتدى الغاصب، وكان الإعداد الجيد من ناحية ثانية، وقوة الإيمان من ناحية ثالثة، فحررت الأرض المغتصبة بما لا يخطر على بال أحد فى الشرق أو الغرب، خاصة أن الهزيمة فى 1967 كانت قاسية، والفترة الزمنية للإعداد والاستعداد كانت قصيرة، وأن إسرائيل قد جابت الشرق والغرب تدعو حلفاءها إلى عدم مد مصر والعرب بالسلاح، فضلا عن الموانع الطبيعية، (قناة السويس)، والموانع الصناعية (خط بارليف)، إضافة إلى الظهير الصحراوى فى سيناء، مما أصاب البعض باليأس حينها، ولكنه الجندى المصري، خير أجناد الأرض والقيادة المصرية، التى تتسم بالحنكة، والقدرة على المراوغة، والتفوق السياسى، والمداهنة (الدهاء الشعب المصرى أدى دور البطل فى تحقيق هذا النصر، فالشعب كان مع الجيش، وقبل الجيش، وبعد الجيش، فقد تحمل الشعب الكثير من شظف العيش، وصعوبة الحياة تحت عبارة (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، وبلغ الدعم العسكرى ذروته من قبل الأهالى، حيث جاب الفقراء قبل الأغنياء بما يملكون ربوع البلاد يطالبون الجيش المصرى بالإقدام، حبا فى الوطن ورغبة فى ألا ينكسر الجيش مرة ثانية الأمر الذى مكن الجيش المصرى من تحقيق أكبر نصر فى أقل وقت فى التاريخ المعاصر، وهكذا صارت حرب أكتوبر درسا يدرس فى كل الكليات العسكرية، فى بلاد العالم.الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحقيق هذا النصر، قد نالوا أعظم المراتب فى الإسلام، وهى مرتبة الشهداء، الذين اصطفاهم الله، واختارهم إلى جواره لينالوا أعلى المراتب فى جنة الخلد، كما أن الشهداء أعطوا وعدا بالشفاعة فى ذويهم، وأكسبوا أولادهم الفخار فى الدنيا والمباهاة يوم القيامة، ويكفى أن الله وعدهم، ومن أصدق من الله قيلا: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون».أكتوبر المجيدة هى من أعظم الانتصارات العسكرية فى التاريخ، ذلك الانتصار الذى يعكس خصوصية للأمة المصرية حضارة وتاريخا وموقعا وشعبا وجيشا هو خير أجناد الأرض، فهذه الخصوصية الحضارية للأمة المصرية قد مكَّنتها من توفير عوامل الانتصار العديدة التى يأتى فى مقدمتها وحدة الجبهة الداخلية وصلابتها وارتفاع المعنويات على مستوى جبهات القتال وعلى مستوى الجبهة الشعبية، وهذا ما تمتعت به جموع الأمة قبل المعركة وفى أثنائها نتيجة الدور الذى قام به المثقفون والمفكرون ورجال الدين فى حملاتهم التوعوية والتحفيزية لبناء العزائم وتقويتها، وتعزيز قيم الولاء والانتماء الوطنى والارتفاع بروح التضحية والفداء لأجل مصر خير الأوطان.يجب إطلاق مبادرات الطاقة الإيجابية والاقتداء بروح نصر أكتوبر، وبثها على جموع الشباب لاستعادة روح أكتوبر لتحفيزهم على العمل والتنمية لبناء المجتمع من خلال العزيمة التى لا تلين لتجتمع حولها أجيالنا الشابة التى تمتلك من الطاقات الكثير لكى تغير وجه الواقع الذى نعيشه ولكى يشاركوا فى التنمية، فالشباب الذين لم يعاصروا حرب أكتوبر يجب أن يعلموا أن بناء الأوطان وحب الوطن يأتى بالعمل والعزيمة.
مشاركة :