باكو - بالتوازي مع المعارك التي تدور على الأرض في مواجهة أرمينيا، والتي بدت فيها دولة أذربيجان وحيدة إلا من دعم تركيا، حركت السلطات الأذرية مكتبا متخصصا هو مكتب الترجمة الحكومية كي يوجه الرسالة الإعلامية إلى العالم العربي ضد أرمينيا، وذلك من خلال إرسال بيانات ومقالات وتنظيم الظهور في فضائيات تابعة لقطر أو تركيا. ويحتمي هذا الخطاب الإعلامي الهادف إلى جذب التعاطف العربي بالتاريخ، ويبحث عن مشروعية من خلال التركيز على المظلومية عبر العودة إلى التاريخ، حيث يتحدث عن مذابح و"مقتل عشرات الآلاف من الأذريين الأبرياء" وعمليات تهجير واسعة في بداية القرن الماضي، ويذكر وثائق واتفاقيات تقول إن جزءا من أراضي الخصم تعود تاريخيا إلى أذربيجان. ويسعى الإعلام الأذري الموجه إلى المنطقة العربية لضرب الرواية الأرمنية عن المذابح العثمانية التي طالت الأرمن، وتقديمهم في صورة غزاة محتلين بدل أن يكونوا أصحاب حق ومطالِبين بالاعتراف التركي بالمجازر التي جرت أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومن الواضح أن هذا الإعلام، الذي يخوض معارك الماضي بدل معارك الحاضر، يهدف إلى تبرئة الأتراك وإظهار ولائه لهم، ليس فقط عبر الاحتماء بالعثمانيين ومحاولة إقناع الرأي العام بكونهم ينتمون إلى جذر عرقي وقبلي واحد، وإنما الأهم هو تخفيف الضغوط عن السلطات التركية الحالية، التي بات العالم ينظر إليها على أنها قوة زارعة للفوضى. وتغفل الحملة الإعلامية الأذرية أن الدفاع عن الدولة العثمانية الماضية أو تركيا الحاضرة يجعل هذا الإعلام بصورة آلية معاديا للعرب الذين قد يتفهمون دواعي مطالبة الأذريين باستعادة إقليم ناغورني قره باغ، لكنهم لا يمكن أن يتحالفوا مع من ينظر إلى تركيا على أنها حام وشريك ويتحالف معها أو يظهر في وسائل إعلامها مادحا لها. التحالف مع أردوغان لا يجلب أي تعاطف أو دعم إعلامي دولي التحالف مع أردوغان لا يجلب أي تعاطف أو دعم إعلامي دولي وتضع معطيات التاريخ العرب والأرمن ضحيةً للإمبراطورية العثمانية التي عملت على فرض سيادة العنصر التركي على مناطق واسعة من العالم العربي والإسلامي، وما تبع ذلك من مجازر في المشرق والمغرب. كما أن تركيا تعادي قضايا العرب حاليا وتتدخل في سوريا والعراق وليبيا وتضع قدما في اليمن، فكيف يمكن أن يتحالف العرب مع الأذريين وينتصروا لمعركتهم في استعادة إقليم ناغورني قره باغ. ويقول مراقبون إن الأذريين يطلون على العرب من نوافذ إعلامية قطرية وتركية عرفت بانحيازها وإعطائها الأولوية للأجندة السياسية على ضوابط الإعلام، ما يجعل التعاطف مع قضيتهم أمرا صعبا. ويتساءل هؤلاء المراقبون: هل يمكن أن يصدق العرب تصريحات رجب طيب أردوغان التي تقر بأن بلاده لم تنقل مرتزقة إلى المنطقة في الوقت الذي نشرت فيه وسائل إعلام دولية ذات مصداقية تفاصيل عن هذه العملية؟ ويشير هؤلاء إلى أن التحرك الإعلامي الأذري سواء باتجاه العرب أو ناحية الغرب لا يمكن أن يلقى مساندة في ظل التحالف الحالي مع تركيا التي تعيش حالة عداء واسعة مع محيطها من خلال سياسة فرض الأمر الواقع في شرق المتوسط والتنقيب عن النفط والغاز في مناطق غير تابعة لها، فضلا عن احتلال أجزاء من سوريا وتدريب ميليشيات حليفة لإخضاع السكان الأصليين ثم نقل هذه الميليشيات إلى ليبيا ثم إلى ناغورني قره باغ. وقد لا يجد الأذريون أي تفهم أميركي لقضاياهم في ظل التوتر بين أنقرة وواشنطن التي لا تخفي غضبها من سياسات أردوغان الخارجية. ويجمع مراقبون على أن أذربيجان في وضع لا يسمح لها بالحصول على تعاطف أو دعم إعلامي دولي طالما ربطت قضيتها بالتحالف مع أردوغان.
مشاركة :