قراءة مغايرة لفشل عاصفة الجنوب

  • 9/3/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أرجع كثير من المراقبين وقيادات في الفصائل العسكرية المشاركة في معركة عاصفة الجنوب فشل العملية لأسباب تكتيكية مرتبطة بسوء التنسيق بين الفصائل وسوء تقدير الموقف العسكري للنظام في مدينة درعا، وأخيراً إلى عدم مشاركة الفصائل الإسلامية في شكل مباشر وفعال في العملية. ومع أن هذه الأسباب قد تفسر خسارة معركة أو مواجهة لكنها لا تفسر الفشل الذريع الذي منيت به العملية برمتها، وحالة الستاتيكو التي خيمت على المنطقة بعد ذلك، فضلاً عن عمليات التخوين المتبادلة بين الأطراف المفترض أنها في جبهة واحدة. ثمة أسباب أخرى تتجاوز قدرة الفاعلين على الساحة العسكرية في جنوب سورية. إنها مرتبطة بالتفاهمات الإقليمية ـ الدولية حول مصير جنوب سورية، هذه المنطقة التي تختلف عن غيرها من مناطق الصراع في أربعة عوامل رئيسية، تجعل منها منطقة ذات حسابات إقليمية ودولية مختلفة. أولاً: القرب من العاصمة دمشق، حيث أن سيطرة الفصائل المعارضة على مدينة درعا سيمنحها القدرة على مهاجمة البلدات الأخرى ذات الأهمية الإستراتيجية كخربة غزالة التي يسيطر عليها النظام منذ عامين ومن ثم القدرة على قطع طريق أوتوستراد دمشق - عمان الدولي. يعني سقوط درعا والجنوب السوري بأيدي الفصائل المسلحة القضاء على العمق الإستراتيجي الجنوبي للعاصمة، الأمر الذي سيؤدي إلى نقل المعارك إلى مشارفها، ويصبح ريف دمشق الغربي من سعسع إلى الكسوة جنوب دمشق مع أزرع والصنمين مراكز للمعارك، مع إمكانية إعادة فتح خطوط الإمداد نحو الغوطة الغربية والقلمون الغربي. وهذه مرحلة لم تلق حتى الآن قبولاً دولياً خصوصاً من الولايات المتحدة التي ترفض أي تهديد عسكري مباشر للنظام من شأنه أن يؤدي أو يساهم في سقوطه في شكل سريع. ثانياً: الحساسية الأردنية، حيث يرفض الأردن أيضاً سيطرة الفصائل المسلحة بما فيها الإسلامية على المنطقة الجنوبية وتهديد النظام في دمشق، لا سيما أن مآل الصراع العسكري لم يحسم بعد لأي طرف من الأطراف، حيث تخشى عمان من تعاظم الفوضى على حدودها مع انعدام أية تسوية سياسية. وتتركز مخاوف الأردن من اليوم التالي لسقوط درعا بيد المعارضة المسلحة في ظل غياب شريك فعلي حول التعاطي الأمني في هذه المنطقة، كما ترفض عمان تغيير الواقع العسكري في الجنوب تغييراً جذرياً لمصلحة الفصائل العسكرية، لأن من شأن هذا التغيير أن يفرض وقائع جديدة تدفع الأردن إلى الانخراط في الصراع وهو ما حاول تحاشيه خلال أمد الأزمة السورية. وخلال السنوات الخمس الماضية مارس الأردن سياسة الحياد مع الميل أحياناً لهذا الطرف أو ذاك وفق ما تقتضيه المصلحة الأردنية، لكنه بحكم موقعه وقدراته لا يستطيع الوقوف إلى جانب الفصائل المسلحة المعارضة في شكل تام ولا مع النظام في شكل تام أيضاً. كما أن هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية، وهي محاولة الأردن عدم الانجرار نحو إقامة منطقة عازلة على حدوده، فمثل هذه المنطقة ستدخله في صراع مع الفصائل المسلحة لأنها يمكن أن تكون قاعدة للتدريب أو عمقاً إستراتيجياً للفصائل، كما ستدخله في أزمة مع النظام السوري الذي يرفض رفضاً قاطعاً فكرة المناطق العازلة. ولعل تصريح رئيس الوزراء عبدلله النسور بأن الأردن لن يتدخل عسكرياً في سورية كاف لقطع الطريق على الحديث عن المنطقة العازلة، وربما يكون كلام السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد أكثر وضوحاً، حين قال إن الحديث عن إقامة الأردن منطقة عازلة هدفه الحصول على مساعدات أميركية أكثر. يفضل الأردن بقاء الوضع على ما هو عليه واعتماد المقاربة القائمة في حماية حدوده، سواء من خلال العشائر و»الجيش الحر» في جنوب سورية أو من خلال عشائر الأنبار في العراق، أو بالاعتماد على القصف العسكري للجيش الأردني إن اضطر الأمر. ثالثاً: إسرائيل، إذ أن سيطرة الفصائل المعارضة على درعا تعني فعلياً سيطرتها على المحافظة وبالتالي تحويلها إلى خزان بشري وعتادي للمقاتلين في القنيطرة على الحدود مع إسرائيل وتهديدها في شكل مباشر، إن لم يكن في هذه المرحلة، فربما في مراحل لاحقة، وهذا خط أحمر أميركي. وبالمقابل لا تفضل إسرائيل انتصار النظام في هذه المنطقة خوفاً من عودة «حزب الله» و»فيلق القدس» الإيراني وتشكيل واقع عسكري مترابط في جنوب سورية ولبنان، ولذلك تفضل إسرائيل أيضاً كما الأردن بقاء الوضع على ما هو عليه، من دون أن ينتصر طرف على آخر، كما عبر عن ذلك مركز الأمن القومي في تل أبيب. رابعاً: الدروز، ذلك أن سيطرة الفصائل المسلحة على محافظة درعا سيخلق واقعاً جديداً في التعاطي مع المكون الدرزي في السويداء على الحدود الشرقية لدرعا، واحتمال تطور الأمور إلى نزاع وصدام عسكري سرعان ما يتحول إلى صراع طائفي ـ عشائري، وليس من مصلحة الأردن وإسرائيل والولايات المتحدة حصول ذلك. وربما كشفت معركة مطار الثعلة في محافظة السويداء للفصائل العسكرية المعارضة الحدود الجغرافية التي يجب أن تتوقف عندها ولا تتجاوزها ولو كان مطار الثعلة في محافظة درعا لتغير الأمر. * إعلامي وكاتب سوري

مشاركة :