إبراهيم الملا (الشارقة) يقدم معرض الشارقة الدولي للكتاب في كل دورة من دوراته، مجموعة من الإصدارات الحديثة التي تعتمدها دور النشر، وتكون شديدة الخصوصية أحياناً، بحيث تضع القارئ مباشرة أمام منهجيات تحليل تتجاوز السائد والتقليدي، وتفتح أفقاً رحباً وخصباً من النتائج المدهشة والمراجعات النقدية التي يمكن البناء عليها وتطويرها مستقبلاً. ومن الإصدارات اللافتة لجمهور معرض الشارقة، والمتوائمة مع هذا السياق، كتاب: «تشريح الفيلم» للمؤلف برنارد ف. ديك، الصادر عن المركز القومي للترجمة في جمهورية مصر العربية، الذي يهدف من خلال إصداراته إلى تقديم الاتجاهات والمذاهب الفكرية المختلفة للقارئ العربي وتعريفه بها. الكتاب من ترجمة وتقديم مصطفى محرم، الذي يقول في مقدمته كتوصيف عام لندرة الكتب السينمائية في العالم العربي: «قلما يعثر المرء المهتم بالشأن السينمائي على كتاب يعينه على الخوض في غياهب هذا الفن، ويشيع رغبته الملحّة في الارتقاء بمستوى التذوق السينمائي، حيث يهفو المرء دائماً إلى كتاب يتميز بالمنهج السليم، والعرض الشيق لما يحتويه من معلومات». ومن خلال نظرة بانورامية لمحتوى وفصول الكتاب، يستشرف القارئ الجهد التحليلي الكبير الذي بذله المؤلف للغوص في دهاليز المفردات اللغة السينمائية من تصوير ومونتاج وإخراج وسيناريو، ويبهرنا ببساطة العرض وضرب الأمثلة وعقد المقارنات الأدبية والفلسفية لإبراز إمكانات الفن السينمائي، مضيفاً أن الفيلم السينمائي بمقدوره أن يضغط حقبة بأكملها في صورة مكثفة في ساعة ونصف من الزمن، كما يمكن للفيلم أن يمتد بحيث يتجاوز الزمن الحقيقي لأحداث القصة، سواء كانت واقعية أو متخيلة. يمنحنا الكتاب فرصة للتعرف إلى تقنيات قراءة الفيلم من خلال رؤية تشريحية دقيقة يمكنها مساعدتنا على تلقي العمل السينمائي بصورة أكثر وعياً وانتباهاً للتفاصيل الفنية والسردية المعروضة على الشاشة. ففي فصل بعنوان: «تحليل الأفلام السينمائية» يشير المؤلف إلى عدة أسئلة يجب الالتفات إليها عند قراءة أي فيلم، مثل: ما هي التقنية التي استخدمها المخرج لخلق الإحساس بالفيلم في صيغته الكاملة، وليس من خلال مجموعة من المشاهد المستقلة؟ وكيف عبّر الفيلم عن نفسه بصرياً دون اللجوء إلى الحوار؟ وهل قام الفيلم بتعميق وإعلاء قيمة القصة التي يطرحها؟ وهل تفاعلت الكاميرا مع السيناريو بحيث قدّم كل منهما أفضل ما عنده؟ وهل أصبحت الكاميرا والنص حليفين، أم غريمين؟ وما هي الإشارات والرسائل التي يبعثها الفيلم، دون أن ينطق بها صراحة أو يعرضها بشكل مباشر أمام المتلقي؟ ويرى المؤلف أن هذه الأسئلة، وغيرها من الاستفسارات الداخلية التي تخترق القشرة الظاهرية للفيلم، سوف تسمح الإجابة عليها ورصدها، إلى قراءة أكثر عمقاً ووعياً، مقارنة بالقراءات الترويجية والعابرة للأفلام التجارية على سبيل المثال، مضيفاً أن القراءة التحليلية من خلال الإجابة على هذه الأسئلة سوف تجعل تجربة المشاهدة مختلفة جذرياً عن السابق، معتبراً أن استخدام العين التحليلية في قراءة الأفلام تطور عمل الناقد، وتفيد القارئ النوعي الباحث عن شكل فني جديد.
مشاركة :