وفّر الصراع العربي/ الإسرائيلي ذريعة كبرى من ذرائع الحرب الباردة واستقطاباتها على مدى ما يقرب من نصف قرن، بعدها وفّر الصراع الإسلامي/ الشيوعي في أفغانستان ذريعة أخرى من ذرائع استمرار الحرب الباردة بين القطبين الروسي والأمريكي.. والآن، تعود الحرب الباردة مجددًا بصراع إسلامي/ إسلامي، منحته الطائفية والمذهبية قبلة الحياة «الأبدية»، أو هكذا يأمل من سعوا لإشعاله. روسيا التي استحضرت روح الاتحاد السوفييتي السابق، تتطلع أيضًا إلى استعادة مناطق نفوذه، وتسعى عبر دعم بشار الأسد إلى استباق سقوط نظامه، بفرض واقع جديد على الأرض؛ يُغيِّر معادلات القوة الراهنة، أو يجمدها على أقل تقدير. تقارير أمريكية تحدثت عن إرسال «مقدمة» قوات روسية إلى اللاذقية وطرطوس والشريط الساحلي السوري على البحر المتوسط، موسكو نفت التقارير الأمريكية لكنها تحدثت عن دعم عسكري روسي «مهم» يشتمل على التسليح والتدريب. معركة بوتين الحقيقية هي في أوكرانيا، وهي المعركة التي خسر بسببها الاقتصاد الروسي أكثر من أربعمائة مليار دولار، جراء الحصار الاقتصادي الغربي وكذلك الانخفاض الحاد في أسعار البترول، لكن بوتين يُفضِّل نقل المعركة إلى الشرق الأوسط، الذي قد تتحول بعض دوله إلى مادة للمساومات على موائد الكبار. الأمريكيون الذين أزعجتهم جرأة بوتين، يخشون أن يدفعهم الحرص على تجنب أي مواجهة مع موسكو، إلى التخلي عن حلفاء لهم في الإقليم، ويحاولون بأدوات قاصرة، إفشال التحرك الروسي بالضغط على دول تمر منها طائرات الإمداد الروسية للأسد. صلابة الموقف الروسي خلف بشار الأسد، تثير انزعاج المعارضة السورية التي كانت تظن أنها قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بالأسد، لكن هذه الصلابة ذاتها تضفي مصداقية على التزامات موسكو تجاه حلفائها على عكس ما يشعر به أصدقاء الولايات المتحدة من خذلان تجاوز عند البعض أي احتمال في ضوء أداء باهت للرئيس الأمريكي باراك أوباما في أزمات الإقليم. وتجاه حلفاء استراتيجيين لواشنطن. أخطر ما في الحرب الباردة التي عادت إلى منطقتنا فأشعلتها، هو الظرف الدقيق الذي يكتنفها، بصراع حول هوية نظام دولي جديد مازال في سفر التكوين، ترغب واشنطن في الاستئثار بقمته، أو انتزاع الحصة الأوفر منها، وتأمل موسكو في استعادتها أو الدخول في شراكة فوق تلته. وكذلك بصراع في المنطقة حول هوية النظام الإقليمي الجديد، فيما يكافح أغلب أعضائه العرب من أجل مجرد البقاء فوق خارطته. خروج روسيا بقواتها لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي إلى المشرق العربي، أو إلى الخارج القريب، كما يصفه المُحلِّلون، يُجسِّد نقطة تحول في العلاقات الدولية سيكون لها حتمًا ما بعدها، سواء فيما يتعلق بعلاقات موسكو مع جيرانها العرب، أو فيما يخص مستقبل سوريا التي يُعزِّز التدخل الروسي المسلح فيها احتمالات التقسيم، تتحوّل معه المنطقة إلى مسرح لصراع مسلح مفتوح، أطرافه روسيا وحلفائها من جهة، ومنظمات الجهاد المسلح من جهة ثانية. وقوى الإقليم الأخرى من ناحية ثالثة. وفيما تنبئ مؤشرات الحرب في اليمن باقتراب لحظة الحسم، بينما يلملم العراق جراحه، فإن الجرح في سوريا يبدو مرشحًا للتقيّح. ما يعني أن أمام المنطقة سنوات أخرى من استنزاف الموارد والطاقات، نأمل ألا تطول. moneammostafa@gmail.com
مشاركة :