ما أشدّ فراق القدوات، وما أعظم رحيل الأفذاذ، خاصة إذا كان ذلك الفراق والرحيل هو عن الدنيا بمن فيها، وما أكثر إيلامه وأثقل جوره على من أستفاد منهم ونهل من معينهم واستقى من مشاربهم يوماً ما. لكنه الموت الذي لا نقاش حول وقت قدومه ولا محيد عنه ولا نجاة منه،، والحمد لله أولاً وآخراً على قضاءه وقدره، وإنا لله وإنا إليه راجعون. أكتب هذه الكلمات ونفسي محمّلة بالحزن الكبير على فراق شيخ جليل وداعية مسدّد وقدوة صالحة قدّم الكثير لدين الله ولأمته ولمجتمعه إماماً وخطيباً وداعية ومعلماً ومربياً ومصلحاً، إنه فضيلة الشيخ/عبدالهادي بن عبدالله آل عبطه البسامي -رحمه الله وغفر له-. وإيمانًا منّي بأن الشيخ وأمثاله من القدوات الذين لهم على أفراد مجتمعهم أن يذكروا فضائلهم ويتحدثوا بمآثرهم فإني أكتب هذه السطور التي تعرّف بالشيخ وبشيء يسير من سيرته العطرة، مثمّناً دور جميع الأخوة الذين أمدّوني بكثير من المعلومات عن الشيخ خاصة ابنه الاستاذ عبدالله -وفقه الله-، داعياً نفسي وجميع إخوتي القراء بالتأمّل في سِير مثل هؤلاء القدوات ومحاكاة شخصياتهم والتأسي بِسِيَرهم، والله الموفق والمستعان. ولد الشيخ عبد الهادي بن عبد الله آل عبطه البسامي في وادي ( آل بسام ) بسراة عبيدة عام ١٣٦١ هـ، ثم انتقل صغيراً مع والده إلى محافظة خميس مشيط عام ١٣٦٤هـ تقريباً، بحثاً من والده على العمل، وقد عرف عن والده الشيخ عبدالله بن عبطه -رحمه الله- كرمه وجوده، وكان بيته مضيافاً لمن يأتي من قبيلة آل بسام أو من غيرهم من سراة عبيدة، وكان الضيف يجلس عنده اليومين والثلاثة، حتى عرف عنه وأهل بيته بـ (أحباب الضيف). نشأ وترعرع الشيخ عبدالهادي تحت نظر والديه وباهتمام بالغ منهما، على الخصائل الحميدة، والفضائل الفريدة، فكان في صباه جادّاً مثابراً مختلفاً بجديّته ومثابرته في تلك السن عن كثير من أقرانه. درس الشيخ المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس خميس مشيط، ثم انتقل بعدها إلى معهد المعلمين بأبها عام ١٣٧٤هـ وهو من أوائل من تخرج من المعهد على مستوى منطقة عسير . وكان من برامجه المصاحبة لدراسته في تلك الفترة التحاقه بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، ولزومه لعدد من كبار العلماء في المنطقة ولعل أبرزهم فضيلة الشيخ العلّامة/ عبدالله الوابل – رحمه الله -. تخرج الشيخ من المعهد عام ١٣٧٧هـ تقريباً، وبدأ في سلك التدريس في عام ١٣٧٨هـ، ليكون أول معلم رسمي في الدولة من قبيلة آل بسام، وعمل معظم سنوات عمره معلماً وقائداً تربوياً، متنقلاً بين عدة محافظات ومراكز فقد عمل معلماً في ابتدائية سراة عبيدة والتي تسمّى اليوم بابتدائية أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عام ١٣٨٠هـ، ومديراً لابتدائية العسران والتي تسمى اليوم بابتدائية أبي عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- عام ١٣٨١هـ، ومن ثمّ أتم دراسته العلمية عامي ١٣٨٦-١٣٨٧هـ بمعهد المعلمين بأبها، ثم استأنف مسيرته العملية مديراً لمدرسة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بمدينة سلطان، ثم مديراً لمدرسة عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه- بمحافظة خميس مشيط، وهكذا بقي باذلاً بنفسه ووقته في التربية والتعليم حتى تقاعده عام ١٤١٥هـ عاش رحمه الله باذلاً لدين الله داعياً إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، متميزاً في تعامله مع الناس كبيرهم وصغيرهم قريبهم وبعيدهم بوسطيته في التبليغ وبابتسامته المعروفة عنه وبصدقه في نصحه وبملاطفته وإحسانه للمدعوين، منطلقاً بذلك كله من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام دون غلو أو تكلّف. كان إماماً وخطيباً سنوات طويلة من عمره داعياً إلى الله، صادقاً على منبره، ملازماً لمسجده، جليساً لمصحفه، أحب الناس وأحبوه، وتأثر به كثيراً من أقاربه وجيرانه، ولقد كان باراً بوالديه واصلاً لرحمه محسناً لجيرانه قريباً من مجتمعه وأمته، أميناً في عمله وما كلف به من مهام، متواضعاً مع الجميع، طائعاً لولاة أمره، ولا يُنازع الأمر أهله، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكّي على الله أحداً . عاش -رحمه الله- طيلة حياته بسيرة عظيمة ومجدٍ كبير، حتى فاضت روحه في غرة شعبان من عام ١٤٤٢هـ بعد صراع مع المرض أقعده سنواته الأخيرة من عمره، وما ذُكر أعلاه إنما هو نزر يسير من تاريخ رجل عظيم كان له علّي حق الكتابة والإشادة وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك. رحم الله الشيخ عبدالهادي بن عبد الله آل عبطه البسامي وغفر له وأسكنه فسيح جناته وأحسن الله عزاءنا وعزاء أهله ومحبيه وذويه وجبر مصابنا ومصابهم فيه .
مشاركة :