الحربي نجم غاب عن سماء الحج - عبد الله بن إبراهيم الكعيد

  • 9/23/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إنّه التاسع من ذي الحجة يوم عرفة يوم الحج الأكبر يوم يواجه جهاز الأمن العام في بلادنا بكافة قواته ورجاله امتحانه الصعب قبل حتى شروق شمس ذلك اليوم المشهود. يوم ولا كل الأيام عند من مارس العمل المروري وخاض غمار تجربة فريدة لا تحدث إلا هناك. صحيح أنه توجد مناسبات عالمية يواكبها كثافة في السيارات وعدد ضخم في الحضور لكن الحج شيء آخر مختلف تماماً لا من حيث أهمية المناسبة ولا طبوغرافيا المكان ولا محدودية الزمان ولا حتى تعدد الجنسيات والأعراق والألسن والثقافات. حدث عجيب فريد تقشعّر فيه أبدان الرجال لعظمة الموقف وحجم المسؤولية. في كل مناسبة حج أتذكر رجلاً وطنيّاً بامتياز من بلادي وفي يوم عرفة تحديداً تبرز ذكراه أكثر لأن مسؤوليته أكبر وأداءه يتعاظم مع كل ساعة تمر حتى يطمئن على خلو مشعر عرفات من السيارات ودخولها للمزدلفة. ذلكم هو الفريق محمد بن رجا الحربي رحمه الله وغفر له. كان يعرف مكة المكرمة والمشاعر المقدسّة حجراً حجراً، طرقاتها وأزقتها ومنافذها. يعرف متى يستنفر هِمم رجاله ومتى يُريحهم. كان يضبط ساعته البيولوجية حسب تحركات الحجيج ويهجر مكتبه وسرير نومه من مغيب يوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) وحتى ظهر يوم العيد بعد أن يستقر الحجيج بأمان وسلام في مشعر منى. عملت مع الرجل سنوات طويلة وتعلّمت منه معنى إتقان المهمّة والتفاني في خدمة الحجيج وبالتالي المحافظة على بقاء الوطن شامخاً بالعمل لا بالكلام. كان قائد قوات أمن الحج لسنوات طويلة والمسؤول الأول عن تنفيذ خطّة المرور وتحركات الحجيج. لم يكن (رحمه الله) وهو بهذه الأهمية يركب سوى سيارة (جيب) خشنة وكنا ثلاثة ضباط نرافقه في (صندوق الجيب) وحين يحل وقت النفرة من مشعر عرفات كان يأمر السائق (وهو بالمناسبة أكثر من واحد بالتناوب) بأن يأخذ المسالك الرملية الموازية للطرق الرئيسة التسعة حتى يُشرف بشكل مباشر على سيل السيارات المتدفق. إذا ينفر الحجاج (بمشقّة) مرّة واحدة في تلك الليلة فقد كنّا ننفر برفقته حوالي (15) مرة ذهاباً وإياباً من وإلى مشعر عرفات بموازاة الطرق المكتظّة بالمركبات. الحديث عن الراحل الفريق ابن رجا (كما يُحب الناس تسميته) يطول والمساحة لا تسمح لي، لكن عتبي على من نسِيَ هذا الرجل النجم الذي غاب عن سماء الحج ولكن أعماله باقيات في دعوات صالحات من حجيجٍ ساهم في تيسير نُسكهم. رحمك الله يا أبا إبراهيم فقد افتقدناك كثيراً بينما طرقات منى والمزدلفة ومشعر عرفات تذكرك جيداً. كل عام الوطن وأهله وأنتم جميعاً بخير وسلام. لمراسلة الكاتب: aalkeaid@alriyadh.net

مشاركة :