يَبدو أنَّ ثَقَافتنا العَربيّة وذَاكِرَتنا الشِّعرية؛ تُضلّلنا أكثَر ممَّا تُرشدنا، وتُعقّد حَيَاتنا أكثَر ممَّا هي مُعقّدة، فذَاكِرتنا مَحشوّة بالأمَل، وعَامِرة بالأمَاني، التي لَا تُسمن ولَا تُغني مِن جوع، لذَلك أَخذتُ عَلى عَاتقي مُهمّة مُساءلة هَذه الثَّقَافَة، وتَغيير لَونها، وشَكلها، ومَلابسها، لَعلّها تَكون أجمَل وأكمَل وأعقَل..! ونَظرًا لأنَّنا نَعيش أَزمة السَّكَن وغَلَاء الإيجَارَات، ودَوَائِر البَحث عَن المَنزل المُلائم.. نَظرًا لكُلِّ هَذا وغَيره، حَاولتُ أنْ أقبض عَلى الشَّاعِر العَربي «أبي تمّام» مُتلبِّسًا بجريمَتهِ، حِين ضَلّلنا في مَوضوع السَّكن، وأَوهَمنَا أنَّنا أمَام خِيَارَات كَثيرة، وكَأنَّنا أصحَاب مَكَاتِب عَقَاريّة، حِين قَال: نَقّل فُؤادكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوَى مَا الحُبُّ إلَّا للحبيبِ الأوّلِ كَمْ مَنزلٍ في الأَرضِ يَألفهُ الفَتَى وحَنينُه أَبدًا لأوّلِ مَنـزلِ هَذان البيتَان فِيهما مِن التَّضليل الشّيء الكَثير، فالشَّاعِر يَخدعنا بالآمَال، ومَا عَلِمَ أنَّنا نَتعثَّر في الحصُول عَلى شَقّة؛ لَا تَتجاوز مسَاحتها غُرفتين، لهَذا يَجب أنْ نُعَارض «أبا تَمّام» بالقَول والقصيدَة، قَبل الفِعل، فقَد تَفَاقمت أَزمة الإسكَان واستَفْحَلَت، حتَّى قُلت: «نَقّل فُؤادك حَيثُ شِئتَ مِن الهَوَى» مَا الحُبُّ إلَّا للعَقَارِ الأسهَلِ إنّ المَنَازلَ في البِلَادِ كَثيرةٌ والمَالُ يَدفعنِي لأرخَصِ مَنزلٍ وهُنَاك مَجنون الشِّعر، أو «مَجنون لَيلَى»، الذي ضَلّلنا بالبُكاء عَلى أطلَال الحُبّ الضَّائِع، لنَكتَشف -بَعد مِئَات السِّنين- أنَّ مُصيبته بفَقد جيرَانه؛ كَانت مُجرّد تَرف شِعري، مُقَارنةً بمُعَانَاة مَن فَقدوا الأمَل في تَحقيق أحلَامهم؛ بامتلَاك السَّكن المُيسَّر، حَيثُ يَقول «مَجنون لَيلَى بنت الجيرَان»: أمُرُّ عَلَى الدِّيَارِ، دِيَارِ لَيْلَى أُقَبِّلُ ذَا الجِدَارَ وَذَا الجِدَارَ وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي ولَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدّيَارَ حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أوّلاً أنْ نَقول لمَجنون لَيلَى: «دُقّ رَأسك في الجِدَار»، وأنْ نُشير ثَانيًا إلَى أنَّ تَغيير التُّرَاث؛ يَجب أن يطَال -أيضًا- الأمثَال والحِكَم، خَاصّة المَثَل القَائِل: (الجَار قَبل الدَّار)، فالوَاقِع يَقول: (الإيجَار قَبل الجَار)..!! T: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :