لم يتوصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لأي اتفاق لاستئناف محادثات السلام، وسيتكرر هذا الإخفاق ما لم يقع الاعتراف بالأخطاء التي قادت إلى المأزق الحالي. فما الهدف من التفاوض؟ إن الأطراف المعنية لا تعرّف الهدف بنفس الطريقة، وهذا خلاف وليس اختلافاً. إن الأساس الذي بنيت عليه عملية السلام في أوسلو يقتضي وقوع تنازلات، وأكثر من ذلك، فهو يجعل تحقيق الهدف الفلسطيني مرتهناً بتحقيق الهدف الإسرائيلي من التفاوض. ليس هناك طريقة أخرى لفهم العملية، وكل محاولة للادعاء أنها غير ذلك، هي محاولة للغشّ وإنكار الحقائق. من منظور أوسلو، فإن الهدف من عملية التفاوض بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لم يكن ولا يمكن إيجازه في فكرة إقرار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة وحسب. هذا هدف الفلسطينيين، وهم طرف واحد في التفاوض. وهدفهم لا يمكن أن يتحقق في هذا السياق التفاوضي حسب المنطق المتبع إلا بالارتباط الوثيق مع الهدف الذي يسعى إليه الإسرائيليون والأمريكيون والأوروبيون وجميع الأطراف الدولية التي لعبت دوراً في عملية السلام، أي: تحقيق أمن إسرائيل. بمعنى آخر، فإن الهدف الحقيقي للعملية ينبغي التعبير عنه بهذه الطريقة: تحقيق قيام دولة فلسطينية من خلال تحقيق أمن إسرائيل. ويمكن التعبير عنه كذلك بهذه الطريقة: تحقيق أمن إسرائيل من خلال قيام دولة فلسطينية. (وهما وجهان لعملة واحدة). لكن من ناحية ، نجد أن الطرف الفلسطيني يعمل وكأنه "لا يعلم" ان العملية كلها خاضعة لتحقيق أمن إسرائيل . وهذا هدف أساسي وليس ثانوياً في منظور إسرائيل وحلفائها الغربيين ، أي أن دولة فلسطين - إن قامت - مرتهنة بتحقيقه وليس العكس. ومن أجله انهارت المفاوضات مراراً وتكراراً. و من ناحية أخرى، تعمل إسرائيل وكأنها لا تعلم أن تحقيق أمنها لا يكون دون منح الفلسطينيين حقوقهم والاعتراف بدولتهم المستقلة (وهذا ما استطاعوا بأية حال افتكاكه من المجتمع الدولي حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قيام دولة فلسطين في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 ). ولأنه لا توجد درجة مائة بالمائة من الأمن في أي مكان من العالم، فإن الموقف الإسرائيلي من هذه المسألة يتسم بالمساومة والابتزاز اللانهائي للحصول على قدر أكبر من التنازلات. وهكذا يدور كل شيء في حلقة مفرغة.
مشاركة :