عن رواية «جرما التّرجمان»

  • 7/10/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الرواية وما تزال فضاءً واسعًا تستوعب من الأفكار ما لا تستوعبه فضاءات أُخر، حاملة إيَّاها إلى المتلقي بطريقة غير مباشرة، مغلفة بالمتعة، ليتمكن هذا الأخير إلى حد ما من هضمها بأريحيَّة وبلا فظاظة مهما تباين معها، وبدت له غريبة وغير مألوفة. الرواية -قراءة وكتابة- لم تكن يومًا للوعظ أو للإقناع، بقدر ما هي محاولة للإضاءة على خياراتٍ وأجوبة مختلفة عمَّا سبقها إلى الأذهان، ورؤية ما لا يمكن تخيله، عبر صهر الأطر وتجاوزها، كما صنعتْ رواية الأستاذ محمد حسن علوان «جرما التّرجمان» مع الإطار التاريخي الذي اتكأت عليه، متخطية إيَّاه من خلال مساحة الرواية إلى منحنياتٍ أبعد من ذلك، يتداخل معها الراهن بالماضي، وتنفتح على أسئلة تضيء زوايا معتمة من الحاضر. وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها الكاتب بإعادة إحياء شخوص تاريخية لتقديم رواية متخيلة عنهم، مما يجعل من الصعوبة بمكان قراءة رواية «جرما التّرجمان» من دون استرجاع رواية الكاتب السابقة عن شخصية ابن عربي «موت صغير»، والنظر إلى تلك الخيوط الرقيقة التي تربط بينهما، وبالتالي استشراف ملامح مشروع أدبي قوامه -من وجهة نظر متواضعة- الاتكاء على الإطار التاريخي لخلق سردية متخيلة إلى حد كبير جدًا من أجل طرح ومعالجة قضايا راهنة. بمعنى آخر، استنطاق التاريخ بلسان حال الحاضر، من هنا قد نشكل مدخلًا نحو رواية «جرما التّرجمان» التي هي رواية ربما أستطيع القول عنها -إن جاز لي ذلك- إنها رواية الرجوع إلى الحاضر من خلال التاريخ، رواية تاريخية تأخذنا إلى هذا الزمان الذي نعيشه الآن، مجسدة للعديد من المشتركات الإنسانية عبر العصور، التي يجب التركيز عليها دائمًا، لا سيما وقتنا الحالي. تدور أحداث الرواية حول حياة الفتى جرما الذي دائماً ما يجد أنه في جانب لم يختره لنفسه، متقاطعة مع صراعاتٍ ونزاعاتٍ سلطوية دنيوية لا علاقة له بها سوى أنه يتقن العديد من اللغات، وهذا هو مصدر قيمته ومأساته بالوقت ذاته. لكن على الرغم من ذلك، فإن ثمة الكثير مما لا يمكن ترجمته، وإذا ما كان باستطاعة جرما المتسامح المسالم ترجمة الرسائل وجعلها مفهومة، فإنه في الوقت نفسه لا يستطيع ترجمة رسائل كثيرة في هذه الحياة، لا يستطيع ترجمة رسائل التسامح والسلام ونقلهما إلى الواقع، وهذا على وجه التحديد -أي ترجمة لغة السلام والتسامح- ما الجميع بأشد الحاجة إليه في جميع الأوقات. تضعنا الرواية مباشرة أمام تساؤلاتٍ وهواجس وجودية، ما تزال قائمة إلى يومنا هذا، ولأنها كذلك كأن الرواية تفصح لنا بطريقة غير مباشرة عن نوع ما من الطمأنة أو الإدانة، لافتة أذهاننا إلى ما هو غائبٌ عنها تجاه الآخر المختلف، الذي في الوقت ذاته هو نحن بنظر الآخرين! رواية «جرما التّرجمان» تمنح شعورًا لا ينتهي حتى لو توقف بنا الكاتب عند الصفحة 359 وهي الصفحة الأخيرة؛ إذ إنها رواية ثرية في بعدها الإنساني، وقد أضاف الإطار التاريخي المُتّكأ عليه عمقًا للمشهد ورونقًا خاصًا، جعلها تشبه رسالة من التاريخ في زجاجة قذفتْ بها الأمواج إلى شاطئ حاضرنا. محمد حسن علوان

مشاركة :