وهـــج الـكـتــابـة: بـيـت مــن نجـوم الصـيــف

  • 7/24/2021
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قَارون‭ ‬عادَ‭ ‬بوجههِ‭ ‬العربي أقسى‭ ‬من‭ ‬أخيه المالُ‭ ‬يغدقهُ‭ ‬فيجري كالجَداولِ‮ ‬كالبُحور فيديرُ‭ ‬افئدَةَ‭ ‬الصَبايا يا‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬غولًا‭ ‬يخيفُ إذا‭ ‬ادلهم‭ ‬الليلُ‭ ‬أو‭ ‬طلعَ‭ ‬النهار يا‭ ‬باعثًا‭ ‬في‭ ‬الأرضِ‭ ‬آلافَ‭ ‬البغايا بغدٍ‭ ‬تثورُ‭ ‬الأرضُ‭ ‬ثورتها‭ ‬فتقتلعُ‭ ‬الجذور وتعود‭ ‬للدنيا‭ ‬الشموسُ وضيئةَ‭ ‬الدمِ‭ ‬والاهاب ‮«‬علي‭ ‬السبتي‮»‬ يغادرُ‭ ‬الشعراء‭ ‬ولا‭ ‬يغادرون،‭ ‬يعانقون‭ ‬الترابَ‭ ‬وتظل‭ ‬حروفهم‭ ‬تحاورُ‭ ‬المدى‭ ‬لتنتصر‭ ‬على‭ ‬الردى‭. ‬يغادروننا‭ ‬جسدًا،‭ ‬يبقونَ‭ ‬حضورًا‭. ‬غادرنا‭ ‬أخيرًا‭ ‬الشاعر‭ ‬الكويتي‭ ‬علي‭ ‬السبتي،‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭/ ‬الإنسان‭ ‬الوفي‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬جثمان‭ ‬صديقه‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬بدر‭ ‬شاكر‭ ‬السياب‮ ‬في‭ ‬سيارته‭ ‬عائدًا‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬العراق‭.. ‬إلى‭ ‬البصرة‭.. ‬إلى‭ ‬جيكور‭ ‬قريته‭ ‬الأثيرة‭ ‬عند‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬24‭/‬12‭/‬1964‭ ‬بالمستشفى‭ ‬الأميري‭ ‬بالكويت‭ ‬وكأنه‭ ‬يحمل‭ ‬جثمانه‭ ‬في‭ ‬قلبه‭. ‬إنه‭ ‬قمة‭ ‬الوفاء‭ ‬والعطاء‭ ‬الإنساني‭ ‬لصديق‭ ‬لقى‭ ‬نحبه‭ ‬في‭ ‬الغربة‭ ‬وحيدًا‭. ‬وكان‭ ‬السياب‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬قصيدته‭ ‬المعروفة‭ ‬‮«‬غريب‭ ‬على‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬أثناء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬متلهفًا‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬بلاده،‭ ‬وعاد‭ ‬فعلًا‭ ‬ولكن‭ ‬ملفوفًا‭ ‬بقماش‭ ‬أبيض‭:‬‮ ‬ الريحُ‭ ‬تصرخُ‭ ‬بي‭ ‬عراق و‭ ‬الموجُ‭ ‬يعول‭ ‬بي عراق،‭ ‬عراق ليسَ‭ ‬سوى‭ ‬عراق‭ ‬‍‍ البحرُ‭ ‬أوسع‭ ‬ما‭ ‬يكون وأنتَ‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون والبحرُ‭ ‬دونكَ‭ ‬يا‭ ‬عراق علي‭ ‬السبتي‭ ‬شاعر‭ ‬عشق‭ ‬الإنسان‭ ‬واهتم‭ ‬بقضاياه‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عمليا‭ ‬وليس‭ ‬نظريا‭. ‬عُرف‭ ‬بدماثة‭ ‬أخلاقه‭ ‬وتواضعه‭ ‬وثقافته‭ ‬العميقة‭.. ‬هذا‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالبحر،‭ ‬لم‭ ‬يتسنَ‭ ‬له‭ ‬إكمال‭ ‬دراسته‭ ‬بسبب‭ ‬ظروفه‭ ‬المادية‭ ‬واضطر‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬بالشهادة‭ ‬المتوسطة‭ ‬ولكن‭ ‬عشقه‭ ‬للثقافة‭ ‬شجعه‭ ‬على‭ ‬التعمق‭ ‬والتطور‭ ‬إبداعيا‭ ‬ليصبح‭ ‬من‭ ‬روّاد‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمجلة‭ ‬اليقظة‭ ‬الكويتية‭. ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬السبتي‭ ‬كلف‭ ‬المرحوم‭ ‬المحامي‭ ‬محمد‭ ‬السيد،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬حينها‭ ‬يعمل‭ ‬مراسلًا‭ ‬للمجلة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬بإجراء‭ ‬مقابلات‭ ‬ولقاءات‭ ‬مع‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬وأذكر‭ ‬أنه‭ ‬أجرى‭ ‬مقابلة‭ ‬جماعية‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬الملتزم‭ ‬بنادي‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬شاركتُ‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬الشعراء‭ ‬قاسم‭ ‬حداد،‭ ‬وعلي‭ ‬الشرقاوي‭ ‬ويعقوب‭ ‬المحرقي‭ ‬وغيرهم‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬صيفية‭ ‬جميلة،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الزمان‭ ‬غير‭ ‬الزمان‭.‬ كان‭ ‬السبتي‭ ‬شاعرًا‭ ‬بارزًا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات،‭ ‬لكنه‭ ‬مقلًا‭ ‬في‭ ‬إنتاجه‭ ‬الشعري،‭ ‬فطوال‭ ‬ستين‭ ‬عامًا‭ ‬أصدر‭ ‬ثلاثة‭ ‬دواوين‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬الصيف‮»‬‭ ‬و«شاعر‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‮»‬‭ ‬وديوانه‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬وعادت‭ ‬الأشعار‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1997‭. ‬بدأ‭ ‬حداثيا‭ ‬متأثرًا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بالشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬بدر‭ ‬شاكر‭ ‬السياب‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬الحر،‭ ‬حتى‭ ‬أنك‭ ‬عندما‭ ‬تقرأه‭ ‬كأنك‭ ‬تقرأ‭ ‬السياب،‭ ‬ثم‭ ‬تراجع‭ ‬وعاد‭ ‬يكتب‭ ‬الشعر‭ ‬العمودي‭. ‬غريب‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬النقاد‭ ‬رائد‭ ‬الشعر‭ ‬الكويتي‭ ‬الحديث‭. ‬هل هو‭ ‬انهزام‭ ‬أمام‭ ‬سطوة‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬الشعر‭ ‬السهل‭ ‬ويحجم‭ ‬عن‭ ‬التعمق‭ ‬ومحاولة‭ ‬سبر‭ ‬الأغوار‭ ‬ويفضل‭ ‬قصيدةً‭ ‬تستسلم‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جهد‭ ‬ولا‭ ‬مقاومة‭. ‬الجمهور‭ ‬يريد‭ ‬الشعر‭ ‬المنبري‭.. ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬يهزّ‭ ‬القاعات،‭ ‬يفضّل‭ ‬الظاهرة‭ ‬الصوتية‭ ‬ولا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬التفكير‭. ‬فعلا‭ ‬‮«‬الجمهور‭ ‬عاوز‭ ‬كده‮»‬‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬بدأ‭ ‬الفن‭ ‬الهادف‭ ‬والشعر‭ ‬الرؤيوي‭ ‬العميق‭ ‬يتراجع‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الطوفان‭ ‬الماضوي‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬خلفه‭ ‬أجهزة‭ ‬تحارب‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وأي‭ ‬شيء‭. ‬أبدع‭ ‬السبتي‭ ‬حقًا‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الحر‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬نتذكر‭ ‬بعض‭ ‬أشعاره،‭ ‬وذلك‭ ‬يكفي‭!‬ Alqaed2@gmail‭.‬com

مشاركة :