أعتقد أن وزارة الداخلية، وما يتبعها من منشآت سارعت وبالتدرج المريح، وقبل غيرها لتبني التعامل الحاسوبي مع الناس. وقد كانت الدوائر الحكومية حتى عهد قريب مضرب الأمثال فى التعطيل وتأخر الإنجاز فجزاهم الله خيرا على الانتباه للقيمة الإنسانية للبشر. قرأتُ مثلا غربيّا يقول: - إذا لم يكن في حوزتك إلا مطرقة، فستتعامل مع أي شيء على أنه مسمار. وكان الناس إذا انهدت أعصابهم من سوء تعامل الدوائر الحكومية قالوا: القطاع الخاص أرحم. وكأني الآن أرى العكس تماما. قد لا تُجدي محاولاتنا كأمة أن نُغيّر من نمط حياتنا العملية مهما أعطتنا التقنية المعاصرة من وسائل وإمكانات وتسهيلات، مادام خطاب "أنت كذّاب حتى تُثبت صدقك" أداة بيد كل ديوان من دواوين الحكومة وأيضا أورثت ذاك الداء للدوائر الأهلية. يستبشر الناس بالتحوّلات التي تُطرح بين حين وآخر، ثم لا تلبث بسمة البشر تلك أن تتوارى خلف ضباب الروتين والعمل الورقي و"الملف العلاق" و"عمدة وشاهدين". وخريجو "هارفارد" و"برينستون" وغيرهما من الجامعات العريقة، من رجالنا ما لبثوا - بعد شهر أو شهرين - من تسلّم قرار تشغيلهم في مؤسساتنا العلمية والعملية، أن رفعوا راية الاستسلام للبيروقراطية المتوارثة وتركوا ما تعلموه وتدربوا عليه وراء ظهورهم، ليس كسلا بل قصور في مواجهة ذاك الغول.. غول البيروقراطية والمحسوبية والمجاملة. فرحنا بما قرأنا عن مؤسسة البريد السعودي، واستبشرنا، لكن - فيما يبدو - لم تكن البشرى لنا كمواطنين، كانت بركاتها لشريحة صغيرة..!. اتصلنا - كمواطنين - برقم الهاتف المُدرج على مطويّات الدعاية الصقيلة.. والغالية التنفيذ..!، لنُفاجأ بمن يقول لنا إنك كي تحصل على الخدمة عليك دفع كذا مبلغ. قلنا: حاضر. قالوا عليك إحضار صك السكن أو عقد الإيجار. واعتقدت الإدارة المسؤولة عن تنفيذ البرنامج أن يمتلئ الشارع بالأرتال (الطوابير) وقد تأبّط كلّ منهم ملفّا يحوي الأوراق المطلوبة. لا طوابير.. فاتصلوا بالناس على أرقام جُزافية ينبئونهم بتوفّر الخدمة. لم يأت أحد. والصناديق؟ للدمار. لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :