مرّ ذلك الزمن الذي فيه كان صاحب العقار المؤجَّر يعاني أوقاتا صعبة قبل أن يحصل على حقه. فتارة يكون المؤجِّر مسافرا! وأخرى ينتظر وصول نقود، وثالثة لا يُجيب الطارق إلا نساء ما بيدهن ما يدفعنه. والقاضي عند حلول موعد المخاصمة يؤجّل ويؤجّل لأن المستأجر لم يحضر، ولا يستطيع إصدار أمر إخلاء قبل أن يسمع ما لديه (أقصد لدى المستأجر). وإذا حدث وأمر القاضي بالإخلاء فليس ثمة من يُنفّذ. وهكذا تمر الفترات والسنين والمسألة حائرة في دوران. أقول إن ذلك الزمن مرّ، وإن شاء الله دون عودة. أما السبب فهو ليس وعي المماطلين – وما أكثرهم – بل جاء نتيجة كون الوحدات الراقية من المساكن والمكاتب تُدار بواسطة شركات مالية، أو تملكها مؤسسات كبرى لا تؤجر لأيّ كان. ولها وسائلها الخاصة في المراقبة والتحقق والجباية و"يعرفون الأوادم" حق المعرفة. "معرفة الأوادم" تلك تقودني إلى ملاحظة لاحظتها في الكويت. فهناك أبراج وعمارات راقية تملكها مؤسسات أُسريّة، منها المفروش ومنها الفاضي. لكن لا يخطر ببال أيّ كان أن يتقدم لاستئجار وحدة سكنية. فدون رغبته الكثير من العوائق الاجتماعية، أحدها أن يكون مُعرّفا من قِبَل كويتي معروف (اسمه بالسوق) هذا إذا كان غير كويتي. وإذا كان كويتيا عليه أن يكون (من الربِعْ)، أي معروفة أسرته لدى الشركة العائلية التي تملك البرج أو الوحدات أو "الشاليهات" فلا مكان لمجهول. وفي الغرب، وقد عشتُ مرحلة من حياتي العملية في لندن، وجدتُ أن الوحدات المفروشة وغير المفروشة تديرها شركات صيانة من أجل الصيانة فقط. ومن الناحية القانونية لديهم شركات تحصيل مؤهلة. إذا تأخر الدفع أسبوعا واحدا كتبوا إلى المستأجر (بعلم الوصول) كتابا يذكرونه بحلول القسط أو الإيجار السنوي. فإذا أجاب كان بها، وإن لم يُجبْ فتذهب إلى مكتب المحاماة، والذي بدوره يُخاطب الساكن ويُحذره "خير ما يؤدّب المؤمن في ماله"، من الاتصال بالشركة صاحبة المبنى لأيّ سبب. ويُعْلمه بأن عليه التفاهم مع المحامي من الآن فصاعدا. ثم يُحصل منه المحامي القسط مضافا إليه الأتعاب ورسوم التأخير (الفوائد السارية). من هنا لا نرى الكثير من عمليات أو "عمايل" المماطلة في الغرب. ربما أنهم أخذوا بالقول العربي المأثور: خير ما يؤدّب المؤمن في ماله. لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :