سـرديـات: سرديات الاختلاف في اليوم العالمي للترجمة

  • 10/30/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يحتفي‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬عام‭ ‬باليوم‭ ‬العالميّ‭ ‬للترجمة،‭ ‬احتفاءً‭ ‬بذكرى‭ ‬القديس‭ ‬جيروم‭ (‬ت‭:‬420م‭) ‬مترجم‭ ‬العهدين‭ ‬القديم‭ ‬والجديد؛‭ ‬وهما‭ ‬العهدان‭ ‬المعتمدان‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكاثوليكيّة‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬طويلة‭. ‬ومنذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬اختير‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬للاحتفاء‭ ‬العالميّ‭ ‬بمهنة‭ ‬الترجمة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬حاليًا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬منافسة‭ ‬برامج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعيّ‭ ‬للترجمات‭ ‬الإنسانيّة‭. ‬إنَّ‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬إجراء‭ ‬كتابيّ‭ ‬وظيفيّ‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬تحويل‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭. ‬إنَّ‭ ‬أيّ‭ ‬لغة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬هي‭ ‬نظام‭ ‬معرفيّ‭ ‬وثقافيّ‭ ‬وهوية‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬واكتساب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬هو‭ ‬امتلاك‭ ‬المقدرة‭ ‬على‭ ‬حيازة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬في‭ ‬مرجعياتها‭ ‬الأصيلة‭. ‬إنَّ‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬الأصيل‭ ‬إبداع‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بالأعمال‭ ‬الأدبيّة‭ ‬الكبرى،‭ ‬والترجمات‭ ‬هي‭ ‬تأويل‭ ‬وإعادة‭ ‬فهم،‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬تأويل‭ ‬مغلوط‭ ‬إلى‭ ‬إساءات‭ ‬فهم‭ ‬ثقافيّة‭ ‬كبرى‭ ‬كما‭ ‬تؤدي‭ ‬الترجمات‭ ‬الرصينة‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المتلقين‭ ‬إلى‭ ‬تنوّع‭ ‬ثقافيّ‭ ‬مذهل‭ ‬وإلى‭ ‬معرفة‭ ‬خلافيّة‭ ‬مشتعلة‭. ‬ يجب‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬أمامنا‭ ‬حقيقة‭ ‬أساسية‭ ‬مؤداها‭ ‬أنَّ‭ ‬الترجمات‭ ‬العربيّة‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬القليل‭ ‬النادر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنته‭ ‬بجهود‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تتوافر‭ ‬لديها‭ ‬مؤسسات‭ ‬أكاديميّة‭ ‬وثقافيّة‭ ‬عالميّة‭ ‬كبرى‭ ‬معنية‭ ‬بالترجمات‭. ‬وعربيًا‭ ‬كان‭ ‬المشروع‭ ‬القوميّ‭ ‬المصريّ‭ ‬للترجمة‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المشاريع‭ ‬الرسميّة‭ ‬العربيّة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الطويلة‭ ‬الأمد‭ ‬والاستمرارية،‭ ‬وكان‭ ‬يستهدف‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الترجمة‭ ‬عن‭ ‬اللغات‭ ‬الحية‭ ‬والتنوُّع‭ ‬الثقافيّ‭. ‬وبالفعل‭ ‬أنجز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬مئات‭ ‬الترجمات‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬ينضوي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الترجمات‭ ‬الرصينة‭. ‬وعربيًا‭ ‬كذلك‭ ‬أذكر‭ ‬أيضًا‭ ‬مشروع‭ ‬المنظمة‭ ‬العربيّة‭ ‬للترجمة‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬تأسّس‭ ‬خلال‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬وأنجز‭ ‬أيضًا‭ ‬ترجمات‭ ‬رصينة‭ ‬لعددٍ‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الكتب‭ ‬العالميّة‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والمشارب‭ ‬الفكرية‭. ‬وخليجيا‭ ‬تميَّزت‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬بالترجمات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬المعرفة؛‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الدوري‭ ‬الذي‭ ‬استقطب‭ ‬خيرة‭ ‬الأقلام‭ ‬الفكرية‭ ‬والنقدية‭ ‬العربيّة‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استقطابه‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬العرب‭ ‬وتحفيزهم‭ ‬على‭ ‬ترجمة‭ ‬الجديد‭ ‬المختلف‭. ‬وكويتيًا‭ ‬أيضًا‭ ‬هناك‭ ‬مجلة‭ (‬الثقافة‭ ‬العالميّة‭) ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المجلس‭ ‬الوطنيّ‭ ‬للآداب‭. ‬ ومن‭ ‬المشاريع‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الخليجيّة‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬لنفسها‭ ‬مكانًا‭ ‬متميزًا‭ ‬بين‭ ‬مشاريع‭ ‬الترجمة‭ ‬العربيّة‭ ‬مشروع‭ (‬كلمة‭) ‬للترجمة‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬أبوظبي‭ ‬للثقافة،‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬ولي‭ ‬عهد‭ ‬أبوظبي‭ ‬نائب‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة؛‭ ‬والاستثنائيّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬عنايته‭ ‬بالترجمات‭ ‬النخبوية‭ ‬وعنايتها‭ ‬كذلك‭ ‬بترجمات‭ ‬الأعمال‭ ‬المندرجة‭ ‬في‭ ‬صنف‭ ‬الثقافات‭ ‬الرائجة؛‭ ‬أيّ‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬متلقيًا‭ ‬نخبويًا‭. ‬وفي‭ ‬كلِّ‭ ‬عام‭ ‬تختار‭ (‬كلمة‭) ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المؤلفات‭ ‬العالميّة‭ ‬الكلاسيكيّة‭ ‬والحديثة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربيّة‭ ‬المتحدة‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬حاكم‭ ‬دبي‭ ‬مشروع‭ (‬تحدي‭ ‬الترجمة‭) ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬2017؛‭ ‬وهي‭ ‬مبادرة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬محتوى‭ ‬تعليمي‭ ‬شامل‭ ‬ومتكامل‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬العلوم‭ ‬والرياضيات،‭ ‬واستقطب‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬51‭ ‬ألف‭ ‬متطوع‭ ‬ومتطوِّعة‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العربيّة‭ ‬من‭ ‬المتخصصين‭ ‬لتعريب‭ ‬المواد‭ ‬العلميّة‭ ‬والتعليق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الوسائط‭ ‬الإلكترونية‭.‬ أطلقت‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬بجهود‭ ‬استثنائيّة‭ ‬من‭ ‬معالي‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬رئيسة‭ ‬الهيئة‭ ‬مشروعًا‭ ‬ذا‭ ‬طابع‭ ‬يتسم‭ ‬بالفرادة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الترجمة‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ (‬نقل‭ ‬المعارف‭)‬؛‭ ‬فقد‭ ‬أصدر‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الكتاب‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلسة‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ (‬تفكر؛‭ ‬مدخل‭ ‬أخَّاذ‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة‭) ‬للفيلسوف‭ ‬سايمن‭ ‬بلاكيرن‭. ‬وتنطلق‭ ‬فكرة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬يشرف‭ ‬عليه‭ ‬الطاهر‭ ‬لبيب‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬تيسير‭ ‬المعارف‭ ‬كي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المتلقين،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬كتب‭ ‬مهمة‭ ‬أُهمِلَت‭ ‬ولم‭ ‬تأخذ‭ ‬حظها‭ ‬من‭ ‬الترجمة‭. ‬ولا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬منطلقات‭ ‬المشروع‭ ‬ذكية‭ ‬جدًا؛‭ ‬فقد‭ ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الترجمات‭ ‬العربية،‭ ‬وتجاوزت‭ ‬التكرار‭ ‬والتشابه‭ ‬لتقديم‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭ ‬ومختلف‭ ‬للقارئ‭ ‬العربيّ‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬تكرار‭ ‬ترجمات‭ ‬بعينها‭. ‬إنَّ‭ ‬مشروع‭ (‬نقل‭ ‬المعارف‭) ‬خطوة‭ ‬كبرى‭ ‬مميزة‭ ‬لهيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬مشاريع‭ ‬متميّزة‭ ‬دائمًا‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التأسيس‭ ‬المعرفيّ،‭ ‬وقد‭ ‬أصدر‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬منذ‭ ‬إطلاقه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مجموعة‭ ‬استثنائية‭ ‬وفريدة‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬التي‭ ‬ترسخ‭ ‬مكانة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬احتفائها‭ ‬بالتنوعات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬الكونية‭ ‬الخلاقة‭.‬ أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك‭- ‬كلية‭ ‬الآداب‭ - ‬جامعة‭ ‬البحرين

مشاركة :