في حكم النادر هي الدراسات العربية النقدية الخاصة بأفلام الرعب العالمية، وفي حكم القليل النادر هي الكتب التي ترجمت مقالات نقدية عالمية تتناول هذا الموضوع من خلال بنيته السردية وأنساقه الثقافية الحاكمة التي يصدر عنها. وكتاب «الأحلام السوداء» للروائي والقاص والمترجم البحريني عبدالقادر عقيل هو من فئة الكتب الاستثنائية في موضوعها؛ فقد ترجم الأستاذ عبدالقادر عقيل مجموعة منتقاة من دراسات ومقالات نقدية تناولت أبرز أفلام الرعب في تاريخ السينما العالمية. وتضمُّ محتويات هذا الكتاب موضوعات في غاية الجاذبية السردية مثل الإنسان في مواجهة الغامض والخارق: المجانين، علماء مجانين يخترعون الوحوش، كائنات من هذا الكوكب: الأموات الأحياء، السحر، ما الذي يجعل العالم رهيبًا إلى هذا الحد؟ رعب الهرمجدون، العائلة في مواجهة الرعب، التلفيق الأيديولوجي: في الشبح الضاج، تلفيق آيديولوجي بارع لعصرنا، سبيلرغ والسحر، كوابيس التاريخ في فيلم «اللمعان»، ستيفن كنغ يقلب موازين «رومانسية العائلة»، هل بإمكانك العثور على الهنود الحمر؟ العنف ووهم السيطرة، كابوس التاريخ، قراءة في أفلام رعب نهاية العالم، إعادة النظر في أفلام رعب نهاية العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مستقبل أفلام رعب نهاية العالم. يذكر عبدالقادر عقيل في تصديره لترجمته أنه مع كلّ التطور الحضاري والعلمي، الذي توصَّل إليه الإنسان، فإنَّه لا يزال يميل إلى الوقوع في شرك تفاهة الأشياء اليومية كما يقول الفيلسوف (هايدغر)، ولا تزال القصص المخيفة، والحوادث المرعبة تثير شهيته، لذلك فإننا لا نندهش أبدًا لرواج قصص الرعب، واهتمام الناس بها. ومثلما تحتاج الغرائز في الإنسان إلى متنفس، فإن الخوف يحتاج أيضًا إلى إطلاق أسره، من أجل إشباع الغريزة المتوقدة بالداخل. وهذه الفكرة أوحت للمتاجرين في صناعة السينما أن يعرضوا «خدماتهم» للإنسان الذي ينتظر من يوقظ غريزته الفعّالة. يُعد فيلم «اللمعان» The Shining للمخرج الأمريكي ستانلي كوبريك واحدًا من أشهر أفلام الرعب العالمية. يذكر الناقد جون لتز أن كاتب الرواية ستيفن كنغ سبر غور الطرق الملتوية والمعقدة، لهيمنة الماضي على سيرورة الحاضر. هذا الماضي يتجلى في رواية (ستيفن كنغ) من خلال إساءة (جاك تورانس) المتزايدة لزوجته ويندي وابنه داني، وهي إساءة توحي في النهاية بأنها نتيجة وقوع (جاك) نفسه ضحية للإساءة في طفولته من قبل أبيه. بينما نرى نطاق الإساءة في فيلم كوبريك يتسع أكثر ليشمل أشكال العنف المنظم من قبل المؤسسات الأمريكية على الفئات المضطهدة والمستغلة. في الواقع، يتجلى العالم المخيف والشرير في فيلم (كوبريك) من وجهة نظر أحد ضحايا الإساءة للطفولة، ويُستبدل استعاريًا بالعنف الكابوسي الكامن في المجتمع الأمريكي. ويمثل فيلم «اللمعان» ماوصفه سيغموند فرويد الغرابة الموحشةThe Uncanny، أو ذلك الذي «ينتمي إلى مملكة الرعب» الذي يثير الخوف والرهبة. إنَّ تشبث (كوبريك) الواضح بأفكار (فرويد)، حول الغرابة الموحشة كما يذكر لتز تؤكدها دايان جونسون التي تعاونت مع كوبريك في كتابة سيناريو الفيلم، فقد لاحظت دايان جونسون كيف بحثت مع كوبريك في أعمال فرويد بصفة عامة، وفي مقالته عن الغرابة الموحشة بصفة خاصة، لإيجاد تفسيرات للعناصر الرئيسية التي تثير الخوف. احتفتْ أفلام الرعب في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بنهاية العالم؛ فمع انتهاء عقد التسعينيات تعرف الجمهور الأمريكيّ إلى الرؤى المذهلة للنهاية المحتومة، من خلال فيلمين محددين هما: (الصدمة العميقة) Deep Impact للمخرجة (ميمي ليدر) و(الهرمجدون) Armageddon للمخرج مايكل باي. والفيلمان عُرضا في عام 1998. ويصوران البشرية وهي على شفا الفناء: في (الصدمة العنيفة) نيزك منفلت يكاد يصطدم بالأرض، وفي (الهرمجدون) كويكب كبير يتقدم بسرعة نحو الأرض. ومع ذلك، كما يذكر كولبي ويليامز، أن الكرة الأرضية لم تصطدم أبدًا بالأجسام الخارجية، نتيجة لبسالة وتضحية رواد الفضاء (معظمهم من الأمريكيين) الذين أنقذوا البشرية من الإبادة والفناء. إنَّ أفلام رعب نهاية العالم، التي أُنتجت في العقد الذي سبق هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كانت بمثابة باروميتر للقلق البارز الذي وسم الثقافة الأمريكية في ذلك الوقت: المخاوف المتصلة بالتغييرات البيئية، والعولمة المتنامية. أمَّا أفلام رعب نهاية العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر فقد تأثرت تأثرًا عميقًا بالمخاوف من الإرهاب؛ فالصور البصرية في هذا النوع من الأفلام استخدمت بوصفها استعارات عن الصور التي ملأت الصحف ونشرات أخبار قنوات التلفزة في يوم الحادي عشر من سبتمبر، والأسابيع والأشهر والسنوات التي أعقبت الهجمات.Right at Your Door وKnowing وCloverfield وWar of the Worlds وغيرها كانت تتمحور حول أسئلة مصيرية وإشكالات وجودية كبرى عن البقاء وعن النهاية. إنَّ كتاب «الأحلام السوداء» يقدم إلى المتلقي الثقافة التأسيسية التي يحتاج إليها كي يلم بالمنظومات الفلسفية والنفسية والثقافية التي تصدر عنها صناعة أفلام الرعب من خلال أشهر أيقوناتها المؤثرة في ملايين المشاهدين عبر العالم. إن الكتاب يثير أسئلة ضمنية عند المتلقي حول من الذي ينتج هذه الصناعة المرعبة والمخيفة والمؤثرة في ملايين المشاهدين حول العالم، ومن الأسئلة الضمنية التي قد تثيرها قراءة الكتاب أسئلة عن المركزيات والهوامش في هذه الصناعة من قضايا العرق والجنس والهويات الثقافية وغيرها. الكتاب في ترجمته العربية صادر عن هيئة البحرين للثقافة والآثار والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في مشروع النشر المشترك، الطبعة الأولى، 2018. أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث، كلية الآداب، جامعة البحرين
مشاركة :