يُعد تيار دراسات الأمريكيين الأفارقة African_American and Post_Colonial Studies واحدا من أبرز دراسات ما بعد الكولونياليّة في العالم. وقد اشتغل عدد من النقاد والمنظرين على دراسة ثقافة السود بوصفها واحدة من أكبر حالات الشتات في العالم مع ترحيل الزنوج القسريّ إلى مناطق بعيدة عن أوطانهم الأصلية بما في ذلك المستعمرات الأوروبية النائية التي كانت بحاجة إلى العمالة الرخيصة. لقد نشأتْ «الزنوجية» من خلال العلاقة المركبة في التفاعل بين ثقافات المصدر الأفريقيّة ومجتمعاتها المتبناة، إذ تفاعلت مع التأثيرات الأخرى في المناطق الجديدة التي حُمِلَ إليها الأفارقة (الزنوجية). إنّ هذا التيار من الدراسات «ظّلَّ حقلاً مهمشًا وغائبًا في الخطاب النقدي الغربي لفترة طويلة؛ ولذلك فإنَّ الاهتمام بالسواد أو الشخصية السوداء أو العرق في الرواية الأمريكيّة يمثل إعادة اكتشاف للأدب الأمريكيّ وإعادة تأويله في سياق جديد هو سياق القارئ غير الأوروبيّ أو غير الأبيض الذي يبحث عن ذاته وعن صورته في الخيال الروائيّ الأوروبيّ أو الأمريكيّ. لقد بيَّن الناقد ما بعد الكولونياليّ الإيرلنديّ غاريث غريفش في كتابه «المنفى المزدوج، الكتابة في أفريقيا والهند الغربية بين ثقافتين» كثافة الإنتاج الأدبيّ الذي كتبه مبدعون أفارقة باللغة الفرنسية «لغة المنفى» مقارنة بنتاجهم المكتوب باللغة الإنجليزية، وربّما يعود ذلك إلى طبيعة الاستعمار الفرنسيّ في أفريقيا الذي كان من أوجهه الاستعمار الثقافيّ «الفرانكفوني» مقارنة بالاستعمار البريطانيّ الذي كان استعمارًا عسكريًا وإداريًا في المقام الأول. يقاوم بعض النقاد الغربيين استخدام النظريات الأدبية الغربية لتحليل الأدب الإفريقي الأمريكي؛ فمن وجهة نظر هنري لويس جيتس جونيور عالم الأدب بجامعة هارفارد أنه يرغب في السماح للتقليد الأسود بالتحدث عن نفسه وعن طبيعته ووظائفه المختلفة، بدلاً من قراءته أو تحليله من منظور النظريات الأدبية التي اقترضت مرجعياتها من تقاليد معرفية وثقافية أخرى. تنتج الكتابة السوداء بلاغة خاصة بها في المجاز، والتشبيه، والكناية، والسخرية، والدلالة، والشفاهية، والتكرار المتعمد. وتوفر مثل هذه الدراسات الثقافية عمقًا لمتخذي القرارات السياسيّة وخاصة في مجال التخطيط الاستراتيجيّ بسبب كون دراسات «الزنوجة» و«الدراسات الآفرو _ أمريكيّة» قد أصبحت دراسات ملهمة ومؤثِّرة إبداعيًا في عدد كبير من بلدان العالم بما في ذلك الدول العربيّة التي بدأ بعض مبدعيها يستلهمون أدبيات الزنوجة في أعمالهم الإبداعيّة. { أستاذة السَّرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين
مشاركة :