القراء الأعزاء تطرقت في مقال الأسبوع الماضي وبشكل عرضي لقانون يُعد من التشريعات الهامة التي صدرت مؤخراً في مملكة البحرين والمرتبطة بشكل مباشر بحقوق الإنسان ولاسيما حق الإنسان في الحرية والأمان على شخصه كأحد أهم الحقوق التي تتداعى بفقدانه العديد من حقوق الإنسان الأخرى المرتبطة به بشكل مباشر وملازم، والحق في الحريّة والأمان قد أقرّته المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بنصها على أنه: (لكل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه) ويُعززها في التشريع الوطني نص المادة (19) من دستور مملكة البحرين المعدل 2002، أما مضمونها فينطوي على عدم حرمان الإنسان من حريته أو تقييدها إلا بنصوص وإجراءات قانونية دون تعسف، حيث يقرر القانون حالات معينة لمشروعية الحرمان من الحرية أهمها تقييد الحرية لأسباب جنائية بالحبس أو السجن تنفيذاً لعقوبة جنائية أو الحبس الاحتياطي كتدبير احترازي تتخذه سلطة التحقيق حفاظاً على مصلحة التحقيق. والقانون المعني هو القانون رقم 18 لسنة 2017 بإصدار قانون العقوبات والتدابير البديلة، والذي يُعد ضمانة تشريعية هامة من ضمانات الحق في الحرية والأمان الشخصي، تهدف إلى استبدال العقوبة المقيدة للحرية بعقوبات أخرى تكون أكثر نفعاً للفرد وللمجتمع وللدولة في آن واحد، ويعكس الاتجاه الحقيقي لمشروع صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى الإصلاحي نحو كفالة وتعزيز واحترام وحماية حقوق الإنسان في مملكة البحرين ومواكبة مستجداتها الدولية بما يليق بعراقة وحضارة وتقدّم مملكة البحرين كمملكة دستورية ديمقراطية، عبر تحديث المنظومة التشريعية والجنائية والعقابية لتكون أدوات إصلاحية وتأهيلية للجاني بتقويم سلوكه الشخصي ورعايته نفسياً واجتماعيا، بحيث تعاود ادماجه في المجتمع ليكون عضواً فاعلاً ومنتجاً عِوضاً عن تعطّل طاقاته وتراجع إنتاجيته في المجتمع. وقد جاء قانون العقوبات والتدابير البديلة، ليمنح المحكوم عليهم بعقوبات أو تدابير جنائية فسحة من الأمل ومساحة لمراجعة الذات، فهو مؤسس على لفتة إنسانية، قوامها بناء المجتمع بأكمله والاعتراف بقيمة وأثر كل فرد في هذا البناء وليس على كفالة الحرية للمحكوم عليه فقط، وتُرجّح الجانب الإنساني عند إيقاع العقوبة بما لا يضرّ بشخص الجاني، حيث تكون ظروفه الشخصية والصحية محل تقدير وفق ضوابط مختلفة أهمها ما يتعلق بالأمن العام. ذلك أن تطبيق استبدال العقوبات الجنائية يكون وفق ضوابط واشتراطات من شأنها أن تمنح الطمأنينة للمجتمع لا أن تكون مصدر قلق له، فهي ليست طريقاً للإفلات من العقوبة، ولكنها سبيلاً لتأهيل المحكوم عليه بها لاسيما ذاك الذي لا يُشكل خطراً على الأمن العام ويكون القاضي أو الجهة المختصة بوزارة الداخلية قد توسّمت فيه صلاحاً بناء على حسن سيرته وسلوكه ووفائه بالتزاماته المالية المحكوم بها من المحكمة الجنائية، يجعلها تُقدم على تطبيق العقوبة البديلة. وتتمثل العقوبات البديلة كما أوضحتها المادة الثانية من القانون في: العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدَّد، حظْر ارتياد مكان أو أماكن محدَّدة، التعهُّد بعدم التعرُّض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معيَّنة، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب وإصلاح الضَّرر الناشئ عن الجريمة. ولم تقف عناية المشرع عند إصدار القانون فقط، بل إنه اتّخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام حيث حظي بمتابعة دقيقة اقتضت تعديلاً عاجلاً له خلال فترة زمنية قصيرة ليست ببعيدة عن وقت صدوره، حيث جاء صدور المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2021م بتعديل المادة رقم (13) من قانون العقوبات والتدابير البديلة ليؤكد أهمية تطبيق العقوبات البديلة ويمنح مزيداً من التوسع في نطاق التمتع بأحكام القانون بحيث أسند للجهة المختصة في وزارة الداخلية (إدارة تنفيذ الأحكام) أن تطلب من قاضي تنفيذ العقاب استبدال العقوبة الأصلية بعقوبة بديلة أو أكثر قبل البدء في تنفيذ العقوبة الأصلية كما منحها حق التنسيق مع مؤسسة الإصلاح والتأهيل لطلب استبدال باقي العقوبة أو مجموع العقوبات للمحكوم عليهم الذين يقومون بتنفيذ العقوبة، وفق ضوابط حددتها المادة لكلتا الحالتين، فجاء التعديل ليلغي شرط قضاء نصف مدة العقوبة التي قررتها المادة قبل التعديل، وهو لعمري تعديل يشهد بإنسانية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى وحكمته وحنكته ومُضيّ مشروعه الإنسان في طريق مواكبة معايير حقوق الانسان الدولية، كما يترجم حرص جلالته على إعمال الحق في الحرية الشخصية وتعزيز قيمة المحكوم عليه الإنسانية الحقيقية، لا سيما إذا ما علمنا بأن ما يربو على ثلاثة آلاف من المحكوم عليهم قد استفادوا من هذا النظام، فالقانون مهم وحكمته التشريعية تزيد أهميته. وجدير بالذكر أن أحد أسباب تطبيق العقوبات البديلة كسياسة عقابية حديثة أيضا، هو التخفيف من اكتظاظ السجون، لذا لن يفوتني هنا أن أتطرق إلى تنفيذ العقوبات المقيدة للحرية للمحكوم عليهم من الأجانب ولاسيما أولئك الذين تكون إقامتهم في المؤسسات العقابية مُكلفة للدولة من الناحية الصحية، والتي تمثل عبئاً على ميزانية الدولة العامة بشكل غير مباشر، وأرى ضرورة أن تلتفت الجهة المختصة إلى وجوب تنفيذ اتفاقيات تسليم المجرمين التي صادقت عليها مملكة البحرين في حق المحكوم عليهم المنتمين لجنسياتها.
مشاركة :