العقوبات البديلة كإضاءة حقوقية

  • 11/7/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القراء‭ ‬الأعزاء تطرقت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬وبشكل‭ ‬عرضي‭ ‬لقانون‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬التشريعات‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬والمرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ولاسيما‭ ‬حق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والأمان‭ ‬على‭ ‬شخصه‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬تتداعى‭ ‬بفقدانه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأخرى‭ ‬المرتبطة‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وملازم،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الحريّة‭ ‬والأمان‭ ‬قد‭ ‬أقرّته‭ ‬المادة‭ (‬9‭) ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬بنصها‭ ‬على‭ ‬أنه‭: (‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬وفى‭ ‬الأمان‭ ‬على‭ ‬شخصه‭. ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬توقيف‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬اعتقاله‭ ‬تعسفا‭. ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬حرمان‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬حريته‭ ‬إلا‭ ‬لأسباب‭ ‬ينص‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬وطبقا‭ ‬للإجراء‭ ‬المقرر‭ ‬فيه‭) ‬ويُعززها‭ ‬في‭ ‬التشريع‭ ‬الوطني‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ (‬19‭) ‬من‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعدل‭ ‬2002،‭ ‬أما‭ ‬مضمونها‭ ‬فينطوي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬حرمان‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬حريته‭ ‬أو‭ ‬تقييدها‭ ‬إلا‭ ‬بنصوص‭ ‬وإجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬دون‭ ‬تعسف،‭ ‬حيث‭ ‬يقرر‭ ‬القانون‭ ‬حالات‭ ‬معينة‭ ‬لمشروعية‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬أهمها‭ ‬تقييد‭ ‬الحرية‭ ‬لأسباب‭ ‬جنائية‭ ‬بالحبس‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬تنفيذاً‭ ‬لعقوبة‭ ‬جنائية‭ ‬أو‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطي‭ ‬كتدبير‭ ‬احترازي‭ ‬تتخذه‭ ‬سلطة‭ ‬التحقيق‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬التحقيق‭.‬ والقانون‭ ‬المعني‭ ‬هو‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬18‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬بإصدار‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة،‭ ‬والذي‭ ‬يُعد‭ ‬ضمانة‭ ‬تشريعية‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬ضمانات‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والأمان‭ ‬الشخصي،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬العقوبة‭ ‬المقيدة‭ ‬للحرية‭ ‬بعقوبات‭ ‬أخرى‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬نفعاً‭ ‬للفرد‭ ‬وللمجتمع‭ ‬وللدولة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬ويعكس‭ ‬الاتجاه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمشروع‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬الإصلاحي‭ ‬نحو‭  ‬كفالة‭ ‬وتعزيز‭ ‬واحترام‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ومواكبة‭ ‬مستجداتها‭ ‬الدولية‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بعراقة‭ ‬وحضارة‭ ‬وتقدّم‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كمملكة‭ ‬دستورية‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬عبر‭ ‬تحديث‭ ‬المنظومة‭ ‬التشريعية‭ ‬والجنائية‭ ‬والعقابية‭ ‬لتكون‭ ‬أدوات‭ ‬إصلاحية‭ ‬وتأهيلية‭ ‬للجاني‭ ‬بتقويم‭ ‬سلوكه‭ ‬الشخصي‭ ‬ورعايته‭ ‬نفسياً‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬بحيث‭ ‬تعاود‭ ‬ادماجه‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ليكون‭ ‬عضواً‭ ‬فاعلاً‭ ‬ومنتجاً‭ ‬عِوضاً‭ ‬عن‭ ‬تعطّل‭ ‬طاقاته‭ ‬وتراجع‭ ‬إنتاجيته‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬ وقد‭ ‬جاء‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة،‭ ‬ليمنح‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬بعقوبات‭ ‬أو‭ ‬تدابير‭ ‬جنائية‭ ‬فسحة‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬ومساحة‭ ‬لمراجعة‭ ‬الذات،‭ ‬فهو‭ ‬مؤسس‭ ‬على‭ ‬لفتة‭ ‬إنسانية،‭ ‬قوامها‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬بأكمله‭ ‬والاعتراف‭ ‬بقيمة‭ ‬وأثر‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬كفالة‭ ‬الحرية‭ ‬للمحكوم‭ ‬عليه‭ ‬فقط،‭ ‬وتُرجّح‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬عند‭ ‬إيقاع‭ ‬العقوبة‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يضرّ‭ ‬بشخص‭ ‬الجاني،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬ظروفه‭ ‬الشخصية‭ ‬والصحية‭ ‬محل‭ ‬تقدير‭ ‬وفق‭ ‬ضوابط‭ ‬مختلفة‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأمن‭ ‬العام‭.‬ ذلك‭ ‬أن‭ ‬تطبيق‭ ‬استبدال‭ ‬العقوبات‭ ‬الجنائية‭ ‬يكون‭ ‬وفق‭ ‬ضوابط‭ ‬واشتراطات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬الطمأنينة‭ ‬للمجتمع‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬له،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬طريقاً‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬العقوبة،‭ ‬ولكنها‭ ‬سبيلاً‭ ‬لتأهيل‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬بها‭ ‬لاسيما‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬ويكون‭ ‬القاضي‭ ‬أو‭ ‬الجهة‭ ‬المختصة‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬قد‭ ‬توسّمت‭ ‬فيه‭ ‬صلاحاً‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬سيرته‭ ‬وسلوكه‭ ‬ووفائه‭ ‬بالتزاماته‭ ‬المالية‭ ‬المحكوم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية،‭ ‬يجعلها‭ ‬تُقدم‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬العقوبة‭ ‬البديلة‭. ‬ وتتمثل‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬كما‭ ‬أوضحتها‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬في‭: ‬العمل‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع،‭ ‬الإقامة‭ ‬الجبرية‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬محدَّد،‭ ‬حظْر‭ ‬ارتياد‭ ‬مكان‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬محدَّدة،‭ ‬التعهُّد‭ ‬بعدم‭ ‬التعرُّض‭ ‬أو‭ ‬الاتصال‭ ‬بأشخاص‭ ‬أو‭ ‬جهات‭ ‬معيَّنة،‭ ‬الخضوع‭ ‬للمراقبة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬حضور‭ ‬برامج‭ ‬التأهيل‭ ‬والتدريب‭ ‬وإصلاح‭ ‬الضَّرر‭ ‬الناشئ‭ ‬عن‭ ‬الجريمة‭.‬ ولم‭ ‬تقف‭ ‬عناية‭ ‬المشرع‭ ‬عند‭ ‬إصدار‭ ‬القانون‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬اتّخذ‭  ‬حيّزاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬حيث‭ ‬حظي‭ ‬بمتابعة‭ ‬دقيقة‭  ‬اقتضت‭ ‬تعديلاً‭ ‬عاجلاً‭ ‬له‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭  ‬ليست‭ ‬ببعيدة‭ ‬عن‭ ‬وقت‭ ‬صدوره،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬صدور‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ (‬24‭) ‬لسنة‭ ‬2021م‭ ‬بتعديل‭ ‬المادة‭ ‬رقم‭ (‬13‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة‭ ‬ليؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬تطبيق‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬ويمنح‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬التمتع‭ ‬بأحكام‭ ‬القانون‭ ‬بحيث‭ ‬أسند‭ ‬للجهة‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ (‬إدارة‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭) ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬قاضي‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقاب‭ ‬استبدال‭ ‬العقوبة‭ ‬الأصلية‭ ‬بعقوبة‭ ‬بديلة‭  ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬قبل‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة‭ ‬الأصلية‭ ‬كما‭ ‬منحها‭ ‬حق‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬مؤسسة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل‭  ‬لطلب‭ ‬استبدال‭ ‬باقي‭ ‬العقوبة‭ ‬أو‭ ‬مجموع‭ ‬العقوبات‭ ‬للمحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بتنفيذ‭ ‬العقوبة،‭ ‬وفق‭ ‬ضوابط‭ ‬حددتها‭ ‬المادة‭ ‬لكلتا‭ ‬الحالتين،‭ ‬فجاء‭ ‬التعديل‭ ‬ليلغي‭ ‬شرط‭ ‬قضاء‭ ‬نصف‭ ‬مدة‭ ‬العقوبة‭ ‬التي‭ ‬قررتها‭ ‬المادة‭ ‬قبل‭ ‬التعديل،‭ ‬وهو‭ ‬لعمري‭ ‬تعديل‭ ‬يشهد‭ ‬بإنسانية‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬وحكمته‭ ‬وحنكته‭ ‬ومُضيّ‭ ‬مشروعه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مواكبة‭ ‬معايير‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬يترجم‭ ‬حرص‭ ‬جلالته‭ ‬على‭ ‬إعمال‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬الشخصية‭ ‬وتعزيز‭ ‬قيمة‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬علمنا‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭  ‬قد‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬فالقانون‭ ‬مهم‭ ‬وحكمته‭ ‬التشريعية‭ ‬تزيد‭ ‬أهميته‭.‬ وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬تطبيق‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬كسياسة‭ ‬عقابية‭ ‬حديثة‭ ‬أيضا،‭ ‬هو‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬اكتظاظ‭ ‬السجون،‭ ‬لذا‭ ‬لن‭ ‬يفوتني‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أتطرق‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبات‭ ‬المقيدة‭ ‬للحرية‭ ‬للمحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الأجانب‭ ‬ولاسيما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تكون‭ ‬إقامتهم‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العقابية‭ ‬مُكلفة‭ ‬للدولة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الصحية،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬عبئاً‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬العامة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر،‭ ‬وأرى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تلتفت‭ ‬الجهة‭ ‬المختصة‭ ‬إلى‭ ‬وجوب‭ ‬تنفيذ‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تسليم‭ ‬المجرمين‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬المنتمين‭ ‬لجنسياتها‭. ‬

مشاركة :