في كل مرة تطرح في الصحف قضايا الخادمات وجرائمهن أجد الكثير من القراء الرجال يعبرون عن ضيقهم الشديد من اعتماد النساء الكامل على الخادمات في كل شؤون المنزل حتى في أدق التفاصيل، ومن تحميل هؤلاء الخادمات مسؤوليات أكبر من قدراتهن، ويبدو أن الرجال افتقدوا صورة ربة البيت، والزوجة، والأم الراعية لبيتها، والقائمة بمسؤوليات أسرتها، ويطالبون بأن ترجع الأمور إلى نصابها، وتتخلص البيوت من الخادمات ومما يجلبه وجودهن من مشاكل ومآسٍ، كما ألحظ تكرر الإشارة إلى نتائج الركون إلى الراحة والكسل على مظهر النساء من حيث زيادة الوزن ونقص اللياقة. فهل تخلت المرأة في مجتمعنا عن دورها في البيت وأوكلته إلى الخادمة؟ ألا يشارك الزوج والأب في هذا الخطأ؟ وهل الخادمة هي سبب كل تلك المشاكل والمآسي؟ الواقع يقول إن التوجه العام عند معظم البيوت ولا أقول الكل هو نقل المسؤوليات إلى الخادمة من بداية تكوين الأسرة، ومجيء أول طفل رغم ضعف تأهيل تلك الخادمة وقلة حيلتها ودرايتها، فهي مجرد امرأة فقيرة تبحث عن رزقها، تركت بلدها مضطرة لتعول أسرتها، وإذ بها تكلف ليل نهار بواجبات ومسؤوليات ثقيلة منها العناية بأطفال الأسرة، وتولي كل شؤونهم حتى في حالة مرضهم، وكأنها والدتهم، وما يؤكد ذلك وجود الخادمة مع الأطفال في كل مكان، في الأسواق وفي المطاعم والعيادات الطبية والمتنزهات وأثناء السفر! هذا المفهوم الخاطئ لوظيفة الخادمة في المنزل ترسخ مع الزمن في تفكير وسلوك الأفراد، وانتهى الأمر إلى أن الفتاة وبحسب التربية التي تلقتها لا تمارس أي أعمال منزلية، ولذلك فهي تواجه صعوبة في تولي شؤون بيتها عندما تتزوج، فتضطر لاستقدام خادمة.. وهكذا، والمشكلة لا تتعلق فقط بالتقاعس والاتكال على غير، بل في النظرة الدونية إلى الأعمال المنزلية، والتركيز على المستقبل الوظيفي وما يحققه العمل من مردود مادي ومعنوي، وقد لمست بنفسي هذا التوجه عند بعض الفتيات، ومع أن لكل فتاة الحق في أن يكون لها طموحها ونجاحاتها في العمل إلا أن ذلك لا يجب أن يطغى على مسؤوليتها الأسرية، ويمكنها بتعاون شريكها وبشيء من التوازن والتنظيم وتحديد الأولويات أن توفق قدر الإمكان بين الأمرين، مع الاستعانة بالخادمة في حالة الاحتياج على أن يكون دورها مساعداً لا أن تصبح في المنزل“الكل في الكل”! صحيح ان الحياة بدون الخادمة صعبة خصوصاً في ظل الأحوال المناخية القاسية والعادات الاجتماعية المعقدة، وكبر المنازل والأسر، ولكن عدم توفر الخادمة أحياناً ليس كارثة ولا نهاية العالم، ويمكن التكيف والبحث عن بدائل، واستخدام أسلوب حل المشكلات في التعامل مع الوضع، وفي الوقت نفسه يجب إعادة النظر في أساليب معيشتنا، ونمط حياتنا، وإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة التي استهلكت وقتنا وطاقتنا بتوفير الخدمات والتسهيلات بنطاق واسع للحصول على المساعدة المنزلية بنظام الساعات للخلاص من سلبيات الخادمة المقيمة في المنزل، لأن الهدف من طلب المساعدة هو تحسين حياتنا الخاصة وليس إتعاسها!
مشاركة :