(شجون على ضفاف الرافدين) أول كتاب يوثق لتاريخ العراق منذ 2003 إلى 2021 (7) سلام الشماع مجزرة جرف الصخر سمحت للأمريكيين العودة بشرعية أكبر { المالكي تبنى خطاباً أكثر تحدّياً وثقة بالنفس وانتقد المحاصصة العرقية والطائفية للسلطة ومن عارض الحكومة من الداخل { العنف والتوتّر في العراق يهدّدان الاستقرار والديمقراطية الهشَّة في ظل أحزاب غارقة في الفساد { عمار الحكيم ومقتدى الصدر تجاوزا المنافسة التقليدية بينهما وعملا معاً لمواجهة المالكي { المالكي غيّر ديناميكيات السياسة في حقبة ولايتـــه الثانية مستفيداً من قصور اتفــــــاقات تقاســــــم السلطة { حكومة المالكي استــهدفت زعماء باتهامات الإرهاب وطبقت تدابير اجتثاث البعث بنحو انتقائي ومتحيّز يلجأ مؤلف كتاب (شجون على ضفاف الرافدين.. احتلال بغداد وما خفي أعظم) عبدالقادر ممدوح البريفكاني، في الباب الثاني من كتابه، إلى مشاهداته والأحداث التي عايشها في العراق بصفته المستشار السياسي في بعثة الأمم المتحدة خلال السنوات التي أعقبت سنة 2003 مستعيناً بتقارير المنظمة الدولية عن تلك الأحداث. إرث من الإقصاء يرجع المؤلف أسباب الأزمة في العراق إلى الإقصاء، ويقول: “لايزال العنف والتوتّر في العراق يهدّد الاستقرار والديمقراطية الهشَّة، بعد هذه السنوات العجاف التي استوطنت فيها الأحزاب الغارقة في الفساد أرض الرافدين، إذ تعزّزت الانقسامات الداخلية بسبب تداعيات الحكم، وبخاصة تأثيرات الانتفاضة السورية ضد نظام بشار الأسد، وتعزيز الطائفية العابرة للحدود الوطنية. ويرى أنه “للحيلولة دون حدوث المزيد من التشرذم أو ظهور نظام استبدادي يحتاج العراق إلى ميثاق سياسي يقوم على الهوية الوطنية أكثر منه على الهويات الطائفية”، ففي اعتقاده أن بناء الدولة لا ينجح على يد الممثلين الطائفيين، وانما ينجح إذا تم التغلّب على الانقسامات الطائفية، إلا أن الطائفية مستحكمة في القواعد والممارسات الخاصة بالعملية السياسية، ويهيمن قادة الأحزاب الطائفيون على جهاز الدولة، في حين أصبحت المؤسّسات إقطاعيات للأحزاب المتصارعة التي تتنافس على السلطة والموارد والمنزلة، في الوقت الذي يشعر أهل السنة بالتهميش، على حدّ قوله، مما يقوي التيارات المتطرفة بينهم ويمنح الجماعات المتطرفة بيئة مثالية للتعبئة والعمل، وأن بناء الشرعية والاستقرار يحتاج من الدولة، التي تهيمن عليها الأحزاب الشيعية، إلى إطلاق خطة جادّة للمصالحة الحقيقية، ومعالجة الخلل في النظامين السياسي والانتخابي، وإجراء تعديلات كبيرة على الدستور، وإصدار قوانين جديدة للأحزاب السياسية وإدارة الموارد، وتوزيع السلطة على أساس الجغرافيا وليس على أساس الهويات الطائفية والعرقية. يقرّ المؤلف البريفكاني بأنه وبرغم مرور عقدين من الزمان لم يتم إنجاز التحوّل السياسي الذي يحتاجه العراق، ولم تتم صياغة رؤية واضحة للمستقبل، ولم يتم التحول إلى بناء نظام سياسي مستقل، بل ترسّخت السلطوية القائمة على الاقتصاد الريعي وسياسة الإقصاء أكثر، اذ شكّل التنافس بين سياسيي الشيعة وبين سياسيي السُنّة محور الصراع السياسي في الدولة، منذ سنة 2003? إذ أعاقت التوتّرات الطائفية عمليات بناء الدولة، وزعزعت استقرار البلاد، ولم تنهض الحكومة بأي محاولة واضحة للتغلّب على هذه الانقسامات، وبناء هويّة وطنية مشتركة، لا بل أن العديد من الإجراءات التي اتّخذت لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من تفتيت الدولة. تاريخياً، كانت الخلافات حول القضايا السياسية واللاهوتية والعقائدية هي السبب في الانقسام بين الطبقة السياسية السُنّيَة والشيعية، بيد أن التنافس على السلطة والموارد والمكانة، اليوم، أصبح هو الدافع وراء مظاهرها وتجلياتها الحديثة، وشيئاً فشيئاً هيمنت فكرة التمثيل الطائفي على العلاقات السياسية بدلاً من تمثيل مصالح المواطنين، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الانقسامات القائمة بدل تخفيفها، ولم تقم الحكومة العراقية بأي محاولة واضحة للتغلّب على هذه الانقسامات وبناء هويّة وطنية مشتركة. المالكي يعزز سلطته أدى تجذير الهويّات الطائفية إلى نشوب صراعات حول مكانة كل طائفة وحجمها وحدودها وقوتها، وقد كان لهذه الصراعات أثر مزعزع للاستقرار، بخاصة عندما كانت تضفي مشروعية على أعمال الجماعات التي تمارس العنف والتي تدَّعي تمثيل طوائفها، وتجذرت الصراعات الطائفية مع الاستقطاب الشامل الناجم عن تزايد سلطويّة نوري المالكي عندما تسلم الحكم بتزكية من السفير الأمريكي خليل زاده، فقد تمكّن من تعزيز سلطته، وتهميش البرلمان والمؤسّسات المستقلة، والسيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية، وإخضاع القضاء لإرادته، وتوسيع دائرة دعمه السياسي على حساب منافسيه. أصبحت الطائفية أداة يستخدمها أصحاب المشاريع السياسية، وما من شكّ في أن العراق يبقى منقسماً، فقد أصبحت الشكوك المتبادلة والتعبئة الطائفية تؤثّر على سلوك النخبة السياسية التي تتطلّع إلى تكوين جمهور ناخبين، وحشد الدعم الشعبي، ويبدو هذا، بصفة خاصة، خلال مواسم الانتخابات. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة فأنه بعد نحو قرن على قيام الدولة العراقية الحديثة، لم يتطوّر الحس الوطني لدى الغالبية العظمى من السكان في البلاد، غير أن فكرة الجماعة الوطنية المجرّدة لم تكن كافية لتوحيد البلاد التي لاتزال تفتقر إلى سرديّة وطنية حقيقية قادرة على تسوية الانقسامات الطائفية، إذ إن لدى شرائح مختلفة من المجتمع ذكريات وسرديّات تاريخية مختلفة حول ماهيّة العراق أو ما ينبغي أن يكون عليه، كما أن فشل السياسيين في جمع هذه الخيوط ضمن مبدأ وطني واحد وشامل عزّز الانقسامات الطائفية ووسع الحدود بين الطوائف. وترى تلك التقارير أنه لكي تتم معالجة الانقسامات الكبرى في البلاد، فإن العراقيين بهم حاجة إلى إجراء مراجعة جوهريّة للقواعد التي تحكم النظام السياسي الحالي في البلاد، ويجب أن يتحوّل التركيز إلى المواطنين بعيداً عن الطوائف، فالتغيير الحقيقي يتطلّب إجراء تعديلات كبيرة على الدستور والنظام الانتخابي العراقي بالإضافة إلى سنّ قوانين جديدة بشأن الأحزاب السياسية وإدارة الموارد، ويتعيّن أن تصبح السلطة أقلّ نخبويّة وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس، غير أن من المستبعد أن يتمّ هذا التحوّل في المستقبل القريب مع افتقار الطبقة السياسية إلى رؤية علمية لإحراز أي تقدّم، وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الانقسامات الطائفية وظهور سلطويّة جديدة تقوم على سياسة الإقصاء. انقسامات عميقة الفجوة بين السياسيين السُنَّة والشيعة ناجمة، في الأصل، عن تحوّلات جيوسياسية واجتماعية وثقافية متعدّدة، كما في التقارير الأممية التي استند عليها البريفكاني، فقد أدخل تأسيس جمهورية إيران الإسلامية سنة 1979 نظاماً جديداً للحكم يقوم على أساس اللاهوت الشيعي، وغيّر ميزان القوى في المنطقة، وخلق مظلّة إيديولوجية للجماعات الشيعية، وساعد ذلك في تقوية الجماعة الشيعية في العراق وشعورها بأنها تمتلك هوية متميّزة، وأصبحت التنظيمات الشيعية أقوى وأكثر تنظيماً وإعداداً فكرياً لتعبئة القطاعات الاجتماعية، كما ان الديناميكيات السياسية والاجتماعية أدت إلى اضعاف الأحزاب العلمانية والليبرالية، وفقاً للتقارير. ينظر إلى العراق الآن كونه مجتمعاً يتكوّن من جماعات عرقية وطائفية، وهو ما يجعل فكرة “الهوية العراقية” في موضع شكّ، ففي ظل الاحتلال الأميركي الذي بدأ سنة 2003 جرى تطوير المؤسّسات لإدارة الحقبة الانتقالية وبين تشكيل حكومة جديدة، غير أن محاولات تشكيل الدولة واجهت العديد من التحدّيات، فقد برز صراع حول أي “مجموعة” سيكون لها النصيب الأكبر من السلطة، وأي طائفة ستكون مهيمنة، وأي سرديّة وطنية ستكون لها الغلبة، بالنسبة إلى أولئك الذين التزموا بفكرة الوطنية بوصفها أعلى قيمة سياسية، تم تفسير عملية بناء الأمة الجديدة، بنحو سلبي ورديء، بصفتها تهدف إلى تفتيت البلاد، وبالنسبة إلى آخرين كان النموذج الجديد يمثّل عودة إلى “الخطيئة الأصلية” ومحاولة لـ”إعادة بناء” الأمة من خلال قاعدة أقوى من الشرعية وليس من خلال رسم خطوط على الخريطة. يتساءل الكاتب: هل كان النظام السياسي الجديد حلاً وسطاً بين الفكرة التي تقول إن الأمة العراقية موجودة، بصفة مستقلة، عن الجماعات الفرعية، أو أن الأمة العراقية ليست سوى مجموع جماعاتها الفرعية؟ وكانت للمضاعفات المتناقضة لهذين التيارين تداعياتها على العملية الدستورية والصراعات السياسية والديناميكيات الاجتماعية، اذ صوَّر النموذج السائد لبناء الأمة العراقية بوصفه (المجتمع متعدّد الثقافات) وتحتاج جماعاتها المكوّنة للمجتمع إلى وضع نظام حكم شامل للجميع، وهذا يتناقض مع المفهوم الكلاسيكي لبناء الأمة والذي هيمنت عليه مقاربة قومية اندماجية تراتبية من أعلى إلى أسفل تنطوي على تعزيز مركز مهيمن وتهميش الهويات المحلية والطائفية. الدستور وتوزيع السلطة يكرر المؤلف أن السلطة يتعيّن أن تصبح أقلّ نخبويّة وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس، وعلى الرغم من أن الدستور لم ينصّ على توزيع السلطة وفقاً للمكونات الطائفية، فقد ثبّتت الممارسات التي سادت في العراق الهويّة الطائفية بصفتها فئة سياسية، وركّزت تلك المقاربة على إيجاد ممثّلين طائفيين أكثر من تركيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية، وتم تقسيم المناصب السياسية الأساسية الثلاثة في البلاد بين الجماعات الثلاث، حيث خُصّص منصب الرئيس للكرد، ومنصب رئيس الوزراء (الأقوى في العراق) للشيعة، ومنصب رئيس البرلمان للسنَّة، معزّزة بذلك النظم الانتخابية الطائفية السياسية. الأحزاب الشيعية توطّد سلطتها لا تمثّل الأحزاب الشيعية قوة متجانسة، إذ تتنافس الجماعات المختلفة ضمن الطائفة مع بعضها بعضاً على السلطة، وكانت قاعدة دعم الأحزاب الشيعية العائدة من المنفى، مثل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي (كان يعرف في السابق باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) وحزب الدعوة، محدودة في العراق، الأمر الذي دفعها إلى استغلال الطائفية والمخاوف الطائفية لخلق جمهور ناخبين، وحاضنة اجتماعية جديدة، وقد شدّد خطاب هؤلاء على حكم الأغلبية، ومنع الظلم والتمييز والحيلولة دون ظهور حكم جديد، وعندما كانت الأطراف السياسية الشيعية الفاعلة الرئيسة مهتمة بتأمين التمثيل النسبي في قيادة الدولة ضمن مؤسّساتها، تمكّن حزب الدعوة، بنجاح، من توطيد سلطته وسلطة مؤيّديه، وتم اختيار المالكي رئيساً للوزراء سنــــــة 2006 وعلى مدى عامـــــــين بدا وكأنه رئيس وزراء ضـــــــعيف يرأس حكومة منقســـــــمة، وتفشّى العنف وعجزت قوات الأمن العراقية عن فرض سيــادة القانون. ففي سنة 2008 قاد المالكي حملة عسكرية ضد جيش المهدي، القوة شبه العسكرية التي أنشأها مقتدى الصدر وكانت تسيطر، في ذلك الوقت، على البصرة، وهي المحافظة المنتجة للنفط، والتي يوجد فيها الميناء الرئيس في العراق، استطاع المالكي أن يجبر الصدر على سحب ميليشياته، ونتيجة لذلك بدا أنه قائد قوي، وهو ما كان يرغب فيه، تزامن ذلك مع نجاح مجالس الصحوة المدعومة من الولايات المتحدة، (التي كانت بمرتبة تحالفات لإقرار الأمن تشكّلت سنة 2008 بين رجال العشائر في المناطق السُنّية)، في إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة في الأنبار وعدد من المناطق السُنّية، وتالياً في خفض وتيرة العنف الطائفي. هيمنة الدعوة على الدولة وبدأ نوري المالكي، مستغلاً هذه المكاسب يعيد تقديم نفسه على أنه (باني الدولة، ومرسي سيادة القانون واستعادة سلطة الدولة)، متبنياً خطاباً أكثر تحدّياً وثقة بالنفس، ومنتقداً المحاصصة العرقية والطائفية للسلطة، وبخاصة أولئك الذين “عارضوا الحكومة من الداخل”، وأقدم سنة 2009 على تشكيل ائتلاف دولة القانون، ونأى بنفسه عن الطائفة الشيعية الأوسع وتمكّن من تحقيق فوز في انتخابات مجالس المحافظات، كما ركّز على هيمنة حزب الدعوة وأنصاره في مؤسّسات الدولة، وغيّر ديناميكيات السياسة الشيعية في حقبة ولايته الثانية، مستفيداً من القصور الذي شاب اتفاقات تقاسم السلطة، واتّبع سياسة “فرّق تسد” في التعامل مع الأطراف الأخرى مستغلاً الدعم القوي الذي أتيح له كرئيس للسلطة التنفيذية، ملأ المناصب الشاغرة في الجيش والإدارة بالموالين له وزاد من صلاحيات مكتبه والشبكات المرتبطة به شخصياً، وتالياً خلق نوعاً من “دولة الظل” داخل الحكومة، كما منح المزيد من النفوذ للّجان المستقلة مثل لجنة اجتثاث البعث، ولجنة الاتصالات والإعلام، وشبكة الإعلام العراقي، والبنك المركزي، وهيئة النزاهة، ونجح، إلى حدّ كبير، في إخضاع المحكمة الاتحادية وإقامة تحالف مع رئيسها الذي ساعده في تطويق خصومه وإضعاف قدرتهم على كبح سلطته من خلال البرلمان، وتمكن من تطويق السلطة التنفيذية وإضعاف القوى الساعية إلى إقامة محور ضده. منافسة شيعية أثارت قدرة المالكي على توطيد سلطته قلق منافسيه الشيعة واضطرّ عمار الحكيم ومقتدى الصدر إلى تجاوز المنافسة التقليدية بينهما والعمل معاً لمواجهة المالكي، وأصبح الصدر من أشدّ منتقديه، ووصف ممارسات المالكي بأنها “ديكتاتورية”، وفي سنة 2012 عبّر الصدر عن تحدٍّ غير عادي للمالكي عندما تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والقوى السُنّية لبدء تحرّك يهدف إلى إطاحة المالكي عبر التصويت بحجب الثقة عنه في البرلمان، لكن بقي الصدر في إطار تقاسم السلطة الطائفي بإعلانه أن الكرد والسُنَّة قبلوا أن يكون رئيس الوزراء الجديد أيضاً من التحالف الشيعي، وعلى الرغم من إجهاض هذه الخطوة لإقصاء المالكي عن السلطة بسبب المعارضة الإيرانية وإحجام الرئيس العراقي جلال الطالباني عن دعمها، استمرّ الصدر في انتقاد رئيس الوزراء الشيعي ووعد أتباعه بأنه لن يدعم جهوده للفوز بولاية ثالثة. انسحب الصدر من الحياة السياسية أوائل العام 2014 ويبدو أن تلك الخطوة خدمت جهود المالكي للبقاء في السلطة ثمانية أعوام من خلال إبعاد أحد المنافسين الرئيسيين لرئيس الوزراء، وبعد انتخابات مجالس المحافظات سنة 2013 دخل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصدري في تحالفات مع الأحزاب السُنّية والحكومات المحلية الجديدة التي تشكّلت في بغداد والبصرة، واللتان تعدّان مهمتين من الناحية الاستراتيجية لأن السيطرة على هاتين المدينتين تعني امتلاك النفوذ على الساحة السياسية، وفي الوقت نفسه شملت التحالفات السياسية الجديدة للمالكي بعض الجماعات الشيعية الأكثر راديكالية، مثل عصائب أهل الحق التي انشقّت عن التيار الصدري، ومنظمة بدر، التي انشقّت عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وأصبحت جزءاً من ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي. حشد طائفي والواقع أن الحشد الطائفي لايزال يشكّل أداة فعّالة للحفاظ على السيطرة، ويستخدمه أنصار المالكي، بصفة متكرّرة للدفاع عن سياساته، غير أن من المحتمل أن تحدّ السمات الطائفية والعناصر المؤيّدة لإيران في تحالفات المالكي من قدرته على سدّ الفجوة الطائفية في البلاد، وجاء اصراره على العمل السياسي بعد خروجه من الحكومة الى تعميق الانقسامات بين الجماعات الشيعية، مع إحداث تغيير جذري في ديناميات السياسة للأحزاب. وهناك طرف يتمثّل في المرجعية الدينية الشيعية وزعيمها علي السيستاني، فلا تزال المرجعية تمتلك قوة روحية كبيرة يمكن أن تتحوّل إلى فعل سياسي عند الضرورة، وقد تردّدت المرجعية الشيعية في التدخّل في الشؤون السياسية في السنوات الأخيرة، ورفض السيستاني لقاء أي من الزعماء السياسيين العراقيين، في الوقت نفسه استمر ممثّلوه في حضّ الناس على المشاركة في الانتخابات، وفي انتقاد المشكلات التي تعتري العملية السياسية مثل الفساد المستشري، والمزايا المبالغ فيها التي يتمتّع بها الساسة، وسوء الخدمات العامة، وسوف يعتمد الدور السياسي للمرجعية في المستقبل إلى حدّ كبير على ديناميكيات السياسة الشيعية، إذ تحاول الأحزاب الشيعية على الدوام إظهار الولاء لمبادئ المرجعية وتوجيهاتها، وفي الوقت نفسه تسعى كل جماعة إلى بناء علاقات خاصة مع خليفة السيستاني أو لأن يكون لها دور في اختياره. السُنَّة في موقف الدفاع تقول الصحيفة: تاريخياً، لم تلتزم الجماعة العربية السُنّية بهوية طائفية صريحة، بدلاً من ذلك كانت القومية العربية هي الهوية المفضّلة في المحافظات الكبرى السُنّية مثل الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وبغداد، وكانت القومية العربية أداة مثالية لإخفاء الهيمنة السُنّية في الأنظــــــمة السابقة والتأكيد على الوئام الوطني، على عكس الشيعة، لم يكن لدى العرب السُنَّة جماعات سياسية كبيرة خارج حزب البعث، وهكذا أصبحوا يفتـــــــــقرون اليوم إلى وجود زعامة فعّالة تمتلـــــك إحساساً واضحاً بالاتجاه وكانوا في الغالب في موقف دفاعي ورافض، وقد حاول معظم السياسيين السُنَّة أن يـــــــــنأووا بأنفسهم عن النظام السابق ورفضوا وصفه بأنه سُنّي، لكنهم نأوا بأنفسهم أيضاً عن الحالة الراهنة، وقد شعر العرب السُنَّة أن الحكومة التي تهيمن عليها الأحزاب والميليشيات الشيعية التي برزت خلال حقبة الحرب الأهلية في المدة 2006-2007 استهدفت الجماعات السُنّية، وخلال الاستفتاء الدستوري الذي أجري سنة 2005 صوّتت المناطق التي تقطنها أغلبية سُنّية كلها ضدّ الدستور الجديد، وهو ما يعكس الاغتراب العميـــــــق الذي يشعر به أهل السُنَّة. سيطرت ســـرديّة الضحية الطائفية على تصوّر السُنَّة للعراق الجديد، كما تضيف الصحيفة، وقد تعــــــــمّق هذا التصوّر من خلال السياسات التمييزية التي سنَّتها حكومة نوري المالكي، مـــــــثل محاولاتها استهداف زعمـــــــــاء السُنَّة باتهامات الإرهاب والاعتقالات الجماعية للمواطنين السُنَّة، والتطبيق الانتقائي والمتحيّز لتدابير اجتثاث البعث، والتي كانت تطبَّق على نحو أقلَّ صرامة على البعثيين الســـــــابقين من الشيعة الذين حوَّلوا ولاءهـــــــم لصالح المالكي. في الحلقة المقبلة، يتحدث المؤلف عن تصاعد التحيز الطائفي في ظل حكومة إبراهيم الجعفري وأسرار إعدام أعداد كبيرة من المواطنين السنة قبل كل انتخابات.
مشاركة :