مواطئ النفوذ مشغولة في أفريقيا | صابر بليدي

  • 1/18/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تبدي الجزائر منذ قدوم السلطة الجديدة في البلاد اهتماما لافتا بالعودة إلى العمق الأفريقي، وجهزت لذلك آلياتها الدبلوماسية عبر استحداث مناصب جديدة من المستشارين والممثلين لرئيس الجمهورية. لكن الطريق على ما يبدو لن يكون مفروشا بالسجاد الأحمر في ظل وجود منافسة قوية من طرف قوى إقليمية ودولية، خاصة وأن الإمكانيات ليست متاحة لها، كما هو الشأن للآخرين الذين حوّلوا أفريقيا إلى شريك بعروض من مليارات الدولارات. عندما سُئل وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم عن دور الجزائر الجديد في القارة السمراء، وهل بالإمكان أن يكون منافسا حقيقيا للمنافسين الإقليميين والدوليين، ردّ بأننا “نحن جزء من أفريقيا، ولا يمكن أن نفكر بمنطق الشراكة كما يفكر به الآخرون”. ولما سُئل وزير الخارجية الحالي رمطان لعمامرة، عندما كان في نفس المنصب خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، عن المديونية التي ألغتها بلاده على بعض الدول الأفريقية، ردّ بأن بلاده لا “تستعمل دبلوماسية مكبرات الصوت”، في إشارة إلى الأصوات التي دعت إلى تسويق الموقف وتساءلت عن عائداته الدبلوماسية. ورغم أن القيادة السياسية السابقة خصصت حقيبة وزارية للشؤون الأفريقية والمغاربية قادها لعدة سنوات الدبلوماسي عبدالقادر مساهل، إلا أن إجماعا يسود الدوائر الدبلوماسية والسياسية في الجزائر يحمّل القيادة السياسية السابقة مسؤولية تراجع الدور الجزائري في أفريقيا، خاصة خلال السنوات الأخيرة، مما سمح بدخول مريح لقوى جادة في التغلغل إلى القارة السمراء. وكان دخول إسرائيل على خط القارة الأفريقية ومخاطر فقدان موقفها في ملف الصحراء كافيين لاستفزاز دوائر القرار الدبلوماسي الجزائري، وهو ما دفعها لتحريك جهازها الدبلوماسي على مختلف المستويات من أجل العودة إلى المشهد القاري، لكن طريقها لن يكون سهلا بالنظر إلى نفوذ القوى المنافسة. ويبدو أن الجزائر اختارت العودة من بوابة القبضة الحديدية مع أطراف أخرى، وهو ما لا يسهل عليها المهمّة في ظل غياب آليات الدبلوماسية الناعمة، حيث لا تزال مفاتيح الاقتصاد والتجارة والاستثمار بعيدة عن متناولها في ظل تراجع مداخيلها في السنوات الأخيرة. الجزائر رغم الجهود المبذولة في الوقت الضائع، مازالت تدفع ثمن خيارات بوتفليقة التي فرطت في العمق الأفريقي، وحولت الجزائر إلى ناطق باسم القوى الكبرى في القارة السمراء وباستثناء بعض الصفقات المحدودة في مجال تصدير بعض المواد كالإسمنت ومواد البناء مع دول أفريقية، فإن التمدّد الاقتصادي والتجاري يبقى محدودا مقارنة ببعض المنافسين الآخرين، وإن جرى التفكير في اختراق الشق الغربي من القارة السمراء الواقع تحت النفوذ المغربي، فإن المبادلات نفسها تبقى ضعيفة مع دول الشريط الحدودي، حيث لا زالت تقتصر على تجارة محدود للمقايضة لا تتعدى بعضة ملايين من الدولارات. الجزائر التي ضمنت دعمها من طرف عرب القارة الأفريقية، في الملف المتعلق بعضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، لم توفق في وقف التغلغل الإسرائيلي المدعوم من طرف منافسها المغرب وعدد من الدول الأفريقية، ولذلك جرى ترحيل المسألة إلى قمة الرؤساء القادمة. وإذ مازالت تحتفظ ببعض حلفائها التقليديين في القارة السمراء، كنيجيريا وجنوب أفريقيا في مسألة دعم جبهة البوليساريو في نزاعها مع الرباط حول إقليم الصحراء، يبدو أن العودة المغربية إلى الاتحاد الأفريقي حققت عدة مكاسب دبلوماسية لصالح المغاربة بدليل وقوف حكومات دول غرب القارة إلى جانب المغرب في القضية المذكورة. ولم تكتف الجزائر في انفتاحها على عمقها الأفريقي بالجهود المكوكية التي قادها بوقادوم واستخلفته بأحد أبرز دبلوماسييها الذين تخرجوا من مدرسة الاتحاد الأفريقي، ويتعلق الأمر بلعمامرة وتم تعزيزه بجهاز دبلوماسي من المستشارين والمبعوثين الشخصيين لرئيس الجمهورية، لكن مازالت خطواتها في عملية الانتشار دون المأمول، في ظل عدم تحقيق الصورة التقليدية التي كانت عليها إبان العصر الذهبي في العقود الماضية. ولازالت الأذرع الناعمة غائبة عن الانتشار الجزائري في أفريقيا، فالمشروع التاريخي المتمثل في الطريق الأفريقي العابر للصحراء انطلاقا من حوض المتوسط إلى غاية نيجيريا لا يزال متعثرا، خاصة في مقاطعه الأفريقية الحدودية، لأسباب مختلفة على غرار الإمكانيات المالية لتلك الحكومات والأوضاع الأمنية في دول الساحل، وحتى أنبوب الغاز من نيجيريا إلى الجزائر يكتنفه الغموض، رغم ما أنفق عليه وتجاوز مليار دولار، وحتى الطريق الصحراوي مع موريتانيا والخط البحري نحو نواكشوط المعلن عنه مؤخرا لا يزالان بعيدين عن طموحات الإنشاء المنشود. ولم يفض الاهتمام الجزائري بالملفين الليبي والمالي إلى نتائج ملموسة في ظل تداخل المصالح والأطراف، فرغم تحركها لمنع التدخل العسكري في ليبيا، إلا أنها فشلت في وضع بصمتها على مخارج الأزمة المذكورة، وحتى بالنسبة إلى الجار الجنوبي لم توفق في المضي باتفاق السلام المبرم على أراضيها العام 2015، إلى إحلال السلام في باماكو والمساهمة في إخراج مالي من الأزمة التي تتخبط فيها. التحرك الدبلوماسي الجزائري الذي لا يزال يستند إلى آليات تقليدية تغيب عنها البراغماتية والآليات الناعمة، سيبقى مرهونا برأي الكثير بما تستطيع الجزائر بذله من مال واستثمار في القارة السمراء، لأن العروض الواردة من الصين واليابان وفرنسا والولايات المتحدة مغرية ولا تترك مجالا للالتفات إلى خطاب جزائري يستحضر مفردات القومية الأفريقية ومظالم الاستعمار والاستغلال. الجزائر رغم الجهود المبذولة في الوقت الضائع، مازالت تدفع ثمن خيارات بوتفليقة التي فرطت في العمق الأفريقي، وحولت الجزائر إلى ناطق باسم القوى الكبرى في القارة السمراء. ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، فإن مواطئ النفوذ في أفريقيا مشغولة ولا يمكن تحصيلها إلا باستراتجيات قوية.

مشاركة :