«قلعة الفوضى» - مهـا محمد الشريف

  • 11/24/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في ولاية أوريغون أدهش الساحر "جيري أندروس" العقول في أنحاء من العالم الذي شاهده واستمر الساحر الشهير بالكتابة وإعطاء المحاضرات في مواضيع معرفية أسماها "قلعة الفوضى" واستطاع خداع الإنسان ثم قال: إن للعقل البشري الرائع قدرات أستطيع أن أخترقها وأحمله على استنتاج خاطئ حسب قدراتي، ومعرفتي بتوليد الوهم بشكل طبيعي. فقد آن الأوان لأحداث جديدة تستدرج المعارف ومقاماتها عوضاً عن القديم والعقول القديمة البدائية وليس كل قديم بدائي كما قالوا، فلولا العلم والتقنية لبقيت الحياة كما هي لا تستطيع الأجيال تغييرها، ولن أحرض على تلك الأسئلة التي طرحتها مسبقاً فكلتا الحالتين الأمر فيها لا يستحق عناء السؤال والجواب إذا لم يؤمن الفرد بأن أموراً خفية في أعماقه لا يستطيع إنكارها أو التخلي عنها كونها عادة بصبغة العبادة. وها هم مثقفو العرب اليوم تتجاذبهم نزعات متضادة: الأولى أصولية، والثانية حياة أخرى متجددة ومحدثة تتبنى مناهج تقريبية بين حضارتين مختلفتين يغترب الفرد فيها لكي يقوم بدور المستشرق ويزعم أنهم يقولون وكأنه يكتب عن أقواماً أخرى لا يعرفها ولم يعش بين أطيافها وطبقاتها المتفاوتة ذات يوم، فالنصوص والمسارح رواياتها طويلة ونهاياتها وهمية من وحي الخيال وربما تجدون حقيقة غامضة كوهم الساحر أندروس. وقد تحدثنا مسبقاً عن دور العلم والتقنية وكيف نجح الأشخاص خارج دولهم وأوطانهم، وتساءل معظمنا لماذا تفضل شركات التقنية العالمية الهنود لقيادتها؟ ولا علاقة للسحر والوهم في هذا العالم المباشر وكيف تمكن أولئك الأشخاص القادمون من الهند بخطى ثابته نحو المناصب العليا في الشركات العالمية وهم الرؤساء التنفيذيون لكل من شركة غوغل وشركة مايكروسوفت، وشركة نوكيا، وشركة أدوبي سيستمز وغيرهم من تولى هذه المناصب العليا التنفيذية. فمن الأسباب المؤدية إلى النجاح نبذ المغالطات، ورصد النتائج الخاطئة وإعادتها إلى منطق القانون الخالي من العاطفة، والتي تم إخفاؤها عن الاستدلال السليم لتكون قضية أخرى، فالعقل لا يعترف إلا بوجود ضرورة صائبة أو ضرورة خاطئة أو مفارقة حكيمة أو أخرى مغفلة، ومهما بلغ الإنسان استقلاله عن العالم يدرك أنه جزء من الكون، وهذه الصلة لا يمكن أن تقتصر على أبناء الوطن الواحد فالعالم كله أمة واحدة، وأن يُعامل الإنسان معاملة حسنة طيبة لا تستثني أحداً، ماداموا ينتمون إلى الإنسانية. وكثير من النصوص السابقة قد وجد فيها القارئ رسائل مغلفة للمثقف تبيّن علاقته بالواقع لا علاقة الواقع به، وهناك اختلاف كبير بين تلك العلاقة وبين القوة النظرية ومرئياتها كمن دأب على الكتابة دون اندماج في العصر وتأثر بأهمية التراث وأسقطها على المتغيرات كأساس لا يقبل التجديد، فكثير من المثقفين كتب عن الخلل ولم تعبر جهوده عن عظمة فكره بشكل أعمق فكل ما ينشر سطحي يواكب الأحداث فقط، لم نجد أسماء رائدة  تنفيذية في شركات عالمية كما أثبت الرئيس التنفيذي الجديد سوندار بيتشاي أن النجاح لا يقتصر على جنسية أو عرق أو دين. فإذا كان العلم أساس التقنية فإن من حازه حاز كل شيء ومن فقده فقد كل شيء، والإنسان إما مجتهد بكل ما تدل عليه الكلمة وإما مفلس بكل ما تدل عليه الكلمة، والانفتاح الثقافي اليوم ارتبط بالمعترك السياسي في الشرق الأوسط، فهل يتحتم على المثقفين أن يسخروا اهتمامهم بالسياسة والممارسة السياسية، ويتراجعوا عن أدوارهم في خضم التحولات السوسيوسياسية التي تعيشها المجتمعات العربية. تبقى العقول منارات الشعوب يجب أن توظف إمكانياتها لما يخدم البشرية، وإلا فستبقى معطلة وتتبع إما التسييس والأدلجة القائمة بالمجتمعات وإما أهواءها التي تبعدها عن الإبداع وحتى تنطلق العقول النيرة إلى فضاءات أرحب تظهر فيها قدراتها فإن ذلك يتطلب التخلص من المؤثرات التي تكبلها أو تستنزف منها الوقت والجهد دون أن تقدم شيئاً يضعها في مواقع القيادة لشركات ومؤسسات كما هو الحال الذي وصلت إليه شخصيات من دول فقيرة تدير أهم الشركات التقنية في العالم.

مشاركة :