الحقيقة المطلقة، أن كلا التنظيمين لا يعرفان سوى لغة الدم، ولا وجود للآخر - مهما كان الآخر - في حيواتهم، لكن "الدواعش" أشد بشاعة في التعاطي مع قناعاتهم، وهذا لا يبرئ الأول من تهمة البشاعة والإجرام، ولكن وبتحليل لمنهجية التنظيمين، ما الذي يختلف بينهما؟ أولاً: فاز "داعش" في طرقه الاتصالية، وكان أكثر احترافية من "القاعدة"، وظهر بخطاب اتصالي متقدم، يعتمد على الصورة، بكل أنواعها، ويتخذ من التقنية ركيزة للترويج، وساعده في ذلك ثورة التكنولوجيا، وطفرة الشبكات الاجتماعية. وهذا ما يفسر بوضوح سرعة انتشار التنظيم، وتغلغله في المجتمعات بشكل غير متوقع، ووصوله للمستهدفين - من مجندين أو ضحايا - بشكل أدق، كما أن إعلام هذا التنظيم يعمل وفقاً لإستراتيجية ممنهجة، مرسومة بعمل مؤسسي، تقف خلفه أجهزة استخباراتية على الأرجح، تستخدم أحدث الممارسات الإعلامية في العالم. وكمثال للتقدم الاتصالي، ومحاولة مواكبة الجديد، وتحديداً بعد أحداث الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، قبل أيام، شجّع تنظيم "داعش" أتباعه على استخدام تطبيق مراسلات متقدم. حيث قال موقع Daily Beast الإخباري الأميركي "إن التنظيم وضع رسالة على أحد مواقع شبكة الإنترنت العميقة (Deep Web)، يشجع فيها أعضاءه على تحميل واستخدام تطبيق Telegram، والذي يتيح لهم ضبط الرسائل على الحذف التلقائي بعد مرور وقت معين". ثانيا: خاطب "داعش" المتلقي الأجنبي، وخاصة المواطن الأوروبي، ولم يرتكز على خطاب الشعب العربي كما فعلت "القاعدة"، وهو الأمر الذي مكنه من استقطاب عدد كبير من المتعاطفين من الأجانب، من خلال تحديد أهدافها بشكل دقيق، حيث فتشت عن المواطنين المتضررين، والذين يعيشون في أحياء فقيرة في المدن الأوروبية والأميركية، وكذلك أولئك الذين وجدوا في اعتناقهم للأيدولوجية المتطرفة مخرجاً لحياتهم، إما لأسباب مادية أو معنوية.. خاطبوا أيضاً، ومن خلال المنصات المتخصصة ك"دابق" وغيرها، المجاهدين السابقين الذين شاركوا في شتي الصراعات، في كل من أفغانستان والبوسنة إلى الشيشان والجزائر. واللغة، في الوقت نفسه، تستهدف شبان الأقليات والجاليات التي تعاني من العنصرية، وتحتل النسب الكبيرة من البطالة! لهذه الأسباب، ولغيرها، لم يكن صعباً ما حدث في باريس، الحادثة التي أفرزت كثيراً من "الدواعش الكوامن"، وفضحت كذبة التعايش، الشعار الأكثر ابتذالاً. حيث إن الوصول - كرؤية - لم يكن بالأمر المعقد، خاصة مع الاحترافية الاتصالية، والتجنيد كذلك، الذي استهدف أجانب، أو على الأقل ليسوا عرباً بالتجنيس وإنما بالمرجعية، في الجد الثالث مثلاً، وهي تفاصيل تشخص ماهية عمل العمل المنظم ل"داعش". وبنظرة "تشاؤمية" - للأسف -، لا أعتقد بأن القادم أقل تطرفاً مما مضى، ما لم تحدث معجزة، تغير مسار الأحداث.. أو "العقول"! والسلام.
مشاركة :