بواعث الطموحات البريطانية في المنطقة والموقف التقليدي لليسار | عاصم حمدان

  • 12/1/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

* كما تسببت أطماع صدام حسين، وصلفه، وغطرسته بغزوه للبلد العربي الكويت، في مطلع التسعينيات الميلادية في تجييش القوى العالمية في منطقة الخليج العربي، فإن تداعيات قيام التيارات المتطرِّفة والإرهابية بقتل الأبرياء، سواء كانوا مسلمين -وهم يؤدّون عباداتهم في المساجد- أو كانوا من الشعوب الغربية -كما حدث أخيرًا في باريس- وهو أمر لا تقرّه الأديان التوحيدية، وفي مقدمتها الدِّين الإسلامي. لقد أدّى ذلك وسواه لتحويل منطقة الشرق الأوسط لساحة صراع بين القوى الدولية، فروسيا التي رحلت عن المنطقة، عادت لتدعم نظام الرئيس الأسد الدمويّ؛ بذريعة محاربة التنظيم الإرهابي داعش، وغيره من التنظيمات الأخرى التي تحظى -للأسف- بتعاطف من معظم تيارات الإسلام السياسي، وبريطانيا هي الأخرى تبحث لها عن موضع قدم، حيث كشف رئيس وزرائها ديفيد كميرون Cameron في مجلس العموم البريطاني يوم الخميس الماضي 26 نوفمبر 2015م أن جهاز الاستخبارات البريطاني أحبط حوالى سبع محاولات إرهابية، مشيرًا إلى أن ما تم إحباطه من محاولات لا يرقى لمستوى ما جرى أخيرًا في باريس، إلاَّ أن ذلك لا يمنع حدوث أثر مماثل في لندن «الويكلي تلغراف، (November،18-24،2015). * ويبدو أن الجاليات الإسلامية في الغرب هي التي تدفع ثمن بروز شخصيات محسوبة -ظلمًا وافتراءً- على الإسلام، مثل الجهادي جون: John الذي يعود لجذور عربية، ونشأ في بريطانيا، وأضحت صورته مألوفة، وهو يحمل «سكينًا» بلون ثيابه السوداء، ويجزّ بها الرؤوس في منظر دموي، وكريه، ومنافٍ لكل القيم والأعراف.. جون الإرهابي، واسمه الحقيقي محمد اموازي Emwazi أضحى بطلاً عند البعض، وقد أشار نائب رئيس الرابطة الإسلامية محمد كزبر في لقاء له مع قناة بي.بي.سي إلى أن الجالية الإسلامية في منطقة ديزبري بمدينة مانشستر البريطانية تعرضت أخيرًا لمضايقات وسلوكيات وصفت بالعنصرية. * طبعًا آخر ما تفكر فيه داعش وأنصارها الصامتون هو هموم الجاليات المسلمة في البلاد الغربية؛ ممّا يبرز حجم الأنانية التي تنطوي عليها نفوس وعقول أتباع هذه التيارات، ويسعى «كميرون» من خلال حديثه أمام مجلس العموم لتشكيل قاعدة عريضة في البرلمان للتصويت على قرار يسمح للحكومة بشن غارات على مواقع داعش في كل من العراق وسورية، ويبدو أن الأمر محل جدل شديد داخل الأحزاب البريطانية، وخصوصًا أن زعيم المعارضة العمالي جيرمي كوربين Corbyn، يعترض على مثل هذا الإجراء العسكري، وإذا ما صوَّت عدد كبير من نواب حزب العمال لصالح قرار كميرون فإن بعض المراقبين يتوقع استقالته -أي كوربين- من زعامة الحزب، أو استقالة عدد من حكومة الظل، وفي مقدمتهم وزير خارجية الظل هيلاري بين Benn. ولا يقتصر الأمر على قيام بريطانيا بشن غارات على داعش، بل تعرّضت بعض الصحف البريطانية، وكُتَّابها المعروفين مثل المحلل السياسي لصحيفة الديلي تلغراف Charles Moore،»الديلي تلغراف 11-17 نوفمبر2015م» لقضية عسكرية أخرى، حين رأت أن قرار بريطانيا عام 1971م، بالخروج من قواعدها العسكرية في شرق السويس كان قرارًا خاطئًا. * نعم، لقد قادت حماقات وسلوكيات داعش المتطرِّفة والإرهابية لفتح الباب أمام نوع من الوجود الغربي العسكري، والذي كنا نتوقع أنه انقضى مع تلك المرحلة، فإذا بالآثار المدمّرة للخريف العربي، وبروز القاعدة، وداعش، والنصرة، على السطح، وسعيها بالعودة إلى قرون الظلام من سفك للدماء، ونبش للقبور، وتحطيم للآثار، وسبي للأطفال القُصَّر، كل ذلك وسواه ممّا يمكن اعتباره من متطلبات الدخول في دائرة الفكر التكفيري، أعاد لنا شبح سايكس بيكو جديدة، لا يفيد منها إلاَّ العدو الصهيوني، الذي يبدو أنه لم يكن مبتهجًا، ومنتشيًا كما هو في هذه اللحظة الفارقة من التاريخ العربي وأحداثه المؤلمة.

مشاركة :