حدث في مثل هذا اليوم.. 22 شعبان

  • 3/25/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تواصل – فريق التحرير: يصادف اليوم 22 شعبان، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط “تواصل” الضوء على أبرز هذه الأحداث 588 هـ صلح الرملة بين صلاح الدين الأيوبي، وريتشارد قلب الأسد في مثل هذا اليوم من سنة 588هـ الموافق 8 سبتمبر 1192م، بعد أن فشلت الحملة الصليبية الثالثة في تحقيق أهدافها، عقد صلاح الدين الأيوبي صلحًا مع ريتشارد قلب الأسد عُرف بصلح الرملة، واتفق الطرفان على أن يُسمح للمسيحيين بالحج إلى بيت المقدس في أمن وأمان، وأن يحكم الصليبيون الساحل الشامي من صور إلى يافا. بعد الانتصارات المتتالية التي حققها صلاح الدين خلال الفترة من 583هـ – 586هـ، إلى قرار الصليبين بالتجمع لمهاجمة المسلمين، محمسين الأوربيين بأن صليب الصلبوت أقدس مخلفاتهم الدينية أصبح في أيدي المسلمين.  وبالغ الأساقفة والرهبان أثناء سفارتهم إلى أوروبا، في تصوير حجم المأساة التي تعرضوا لها، حتى مات البابا أوربان الثالث حزنًا وكمدًا لسماعه هذه الأنباء، وتولى البابا جريجوري الثاني بعده؛ فأرسل الكتب إلى ملوك أوروبا يحدثهم فيها عن ضياع الأرض المقدسة، وصليب الصلبوت، ثم توفى بعد شهرين ليكمل مسيرته البابا كليمنت الثالث، ويكرر الاتصال بملوك الغرب. وجهز الإمبراطور الألماني فردريك برباروسا جيشًا كبيرًا توجه به إلى الشرق مارًا بالقسطنطينية، ثم عبر آسيا الصغرى إلى أرمينية حيث رحب به ملك أرمينيا المسيحي ترحيبًا كبيرًا، وأخذ صلاح الدين يستعد لملاقاتهم وطلب المعونة من أمراء المسلمين جميعًا حتى أمراء الموحدين في المغرب الإسلامي. وأثناء زحفه غرق الإمبراطور فردريك الثاني في نهر كاليكادنوس في قليقية، وتفرق وجنود جيشه، واتجه ابنه فردريك السوابي بمن تبقى معه من الجند لمحاصرة عكا مع باقي القوات الصليبية. وكان الصليبيون المحاصرون لعكا يتزعمهم ملك بيت المقدس السابق – جاي لوزجنان، وكونراد مونتفرات أمير صور، وغيرهم من الأمراء، وانضمت إليهم الحملة الألمانية. ووصل فيليب أغسطس ملك فرنسا في أبريل 1191م، وبعده بقليل وصل ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا لتكتمل جيوش الحملة الصليبية الثالثة أمام أسوار عكا، واشتد حصار الصليبيين لعكا. مفاوضات صلاح الدين والصليبيين كان لصمود عكا وحاميتها أثر شديد في نفوس ملوك الغرب وخاصة ريتشارد قلب الأسد، الذي رأى في صمود حامية عكا صعوبة للمهمة التي قدم من أجلها، فإن كانت هذه هي البداية؛ فماذا سيفعل بعد ذلك مع قوات صلاح الدين وجيشه، لذلك قرر الدخول في مفاوضات مع صلاح الدين، وأرسل إليه يدعوه للاجتماع معه للتوصل إلى تسوية سلمية، ولكن صلاح الدين رد عليه بأنه ليس من الحكمة أن يلتقي ملكان متعاديان حتى تنعقد بينهما الهدنة، وأبدى استعداده بان يتولى التفاوض بدلًا منه أخيه العادل، وأن يكون اللقاء في السهل الواقع بين المعسكرين الإسلامي والصليبي. الصليبيين لم يكن الصليبيون جادين في التفاوض، فلم تتنجح، فقد كانوا يقصدون شغل الوقت حتى يحكموا حصارهم حول عكا بالإضافة إلى مرض ملكي انجلترا وفرنسا. وفي يولية 1191م استسلمت حامية عكا بعد أن أجهدها الحصار، ونفدت المؤن، وعجز صلاح الدين عن القيام بهجوم كبير على الصليبيين، لسآمة جنده، ومللهم من طول القتال، وعرض قادة عكا على ملوك الصليبيين التسليم. فتدخل صلاح الدين حينذاك في المفاوضات، التي ناب فيها الاسبتارية عن الصليبيين، والعادل عن المسلمين. وطلب الصليبيون ثمنًا باهظًا مقابل السماح لأهل عكا وحاميتها بالخروج سالمين، إذ اشترطوا إرجاع صليب الصلبوت، وإعادة مملكة بيت المقدس إلى حدودها التي كانت عليها 1176م، وكان من المتعذر عمليًا تحقيق تلك المطالب إذ ليس من المعقول أن يتخلى صلاح الدين عن المكاسب التي حصل عليها بعد حطين بمثل تلك السهولة. وتدخل أمير صور كنراد مونتفرات وخفف من الشروط، وتم التوصل إلى اتفاقية تنص على السماح لحامية عكا بالخروج مقابل فدية مقدارها مائتي ألف دينار، وتحرير ألفين وخمسمائة أسير صليبي، ورد صليب الصلبوت. وبينما صلاح الدين يستعد لتوصيل رسالة إلى حامية عكا يمنعها من الخضوع لهذه الشروط، رأي أعلام الفرنج ترفرف على أبراج عكا، بعد أن وافق قادة عكا على هذه الشروط باسمه، فلم يجد بدًا من الالتزام بها. وشرع صلاح الدين في جمع الأسرى والأموال المطلوبة منه، وكان الاتفاق مع ريتشارد على إعادة الأسرى الصليبيين في أقساط ثلاثة، قسط كل شهر، على أن يطلق ريتشارد سراح المسلمين في عكا بعد وصول الدفعة الأولى من الأموال والأسرى الصليبيين إلى المعسكر المسيحي، وتم إخطار الملك ريتشارد بذلك، ماعدا بعض الأسرى الصليبيين المعينين بالاسم فإن صلاح الدين لم يفرغ من إحضارهم من المدن الأخرى، وتسليمهم، فرفض ريتشارد تسليم الأسرى المسلمين الذين غدروا بهم في عكا، فطلب صلاح الدين إما أن يقبلوا الدفعة الأولى مع رهائن عن السادة الذين لم يسلموا بعد، ويرسلوا إليه أسري عكا، وإما أن يقبلوا القسط ويجعلوا عنه رهائن حتى يضمن إطلاق سراح رجاله، ويضمن رجال الداوية ذلك لأنهم أهل دين يرون الوفاء، ولكن الداوية رفضوا ذلك، وقالوا لا نحلف ولا نضمن لأننا نخاف غدر من عندنا، كما رفض ريتشارد الاقتراحين، وطلب القسط الأول مقابل بذل الوعد بتسليم الأسرى المسلمين. ولكنه إذا كان الداوية لا يثقون في الصليبيين وهم منهم فكيف يثق بهم صلاح الدين، لذلك رفض أن يعطيهم شيئًا مالم يطلق سراح أسرى المسلمين. وغدر ريتشارد، فيذكر المؤرخ الأوروبي رانسيمان: “أضحي ريتشارد حريصًا على أن يغادر عكا، وأن يزحف على بيت المقدس، وصار الأسرى المسلمون مصدر حيرة له، فانشرح صدره لما تهيأ له من العذر للتخلص منهم، فأعلن في برود شديد يوم 20 أغسطس – أي بعد أن مضى ما يزيد على أسبوع من عودة الرسل إليه – أن صلاح الدين نقض عهده، وأمر بالإجهاز على سبعمائة وألفى أسير، من الذي بقوا على قيد الحياة من حامية عكا، فاشتد حماس عساكره للقيام بهذه المجزرة، وقد حمدوا الله -حسبما يروي لنا في جذل وسرور المدافعون عن ريتشارد- لما هيأ لهم من فرصة للانتقام لرفاقهم الذين سقطوا أمام المدينة (عكا)، ولقيت زوجات الأسرى وأطفالهم مصرعهم إلى جوارهم، ولم يبقوا على حياة أحد، سوى بعض الأعيان، وبعض رجال أشداء للإفادة منهم في أعمال السخرة. ولم يقتل صلاح الدين أسرى الصليبيين الذين في حوزته، ردًا على ما فعله ريتشارد، وترك هذا الأمر أثرًا سيئًا، وجرحًا عميقًا في نفس صلاح الدين، وأدى إلى تأجج النار في قلوب المسلمين. وأغلق صلاح الدين باب المفاوضات مع ريتشارد حول أي موضوع يتعلق ببيت المقدس، وإعادة صليب الصلبوت، وبدأ يستعد للحرب مرة أخرى، وكان الصليبيون حينذاك قد توجهوا جنوبًا بمحاذاة البحر، فسيطروا على حيفا ثم قيسارية، فأمر صلاح الدين جنده بالسير بمحاذاتهم، والانقضاض عليهم من حين لآخر، وقطع الطريق على العساكر الذين تاهوا عن جيشهم، وقتلهم، وجرح ريتشارد أثناء هذه الهجمات، مما جعله يطلب فتح باب المفاوضات مرة أخرى. ووافق صلاح الدين على طلبه كسبًا للوقت، حتى تصل قوات التركمان التي أرسل في طلبها، فتوجه العادل لإجراء المفاوضات، واجتمع مع ريتشارد في الخامس من سبتمبر سنة 1191م، ولكن المفاوضات توقفت بعد قليل بسبب طلب ريتشارد التنازل له عن كل فلسطين، وعودة البلاد التابعة لمملكة بيت المقدس كما كان الوضع قبل حطين.   معركة أرسوف تجدد المفاوضات بعد انتصار الصليبيين المحدود في معركة أرسوف 7 سبتمبر 1191م، عادت الثقة المفقودة إليهم منذ معركة حطين، ورغم أنها لم تكن معركة حاسمة إلا أنها كانت انتصارًا معنويًا كبيرًا للصليبيين، إذا أدركوا أن صلاح الدين يمكن أن يتعرض للهزيمة، بعد أن كانوا يرون ذلك محالًا من قبل. وحرص ريتشارد على تحصين يافا لتأمين ظهره عند التوجه إلى بيت المقدس، فتهيأت الفرصة لصلاح الدين لتدعيم وسائل الدفاع عن بيت المقدس، وتدمير عسقلان حتى لا ينتفع بها الصليبيون، كما بدأ ريتشارد قلب الأسد يعاني من عودة عدد كبير من جنده إلى عكا، حيث الحياة الوادعة الناعمة، وانفصال كوانراد مونتفرات عن الصليبيين، واتجاهه إلى صور ليحافظ عليها لنفسه، كما وقع اضطراب في جزيرة قبرص التي يسيطر عليها ريتشارد، وقامت ثورة بها ضده؛ فحرص ريتشارد على فتح باب المفاوضات مرة أخرى في أكتوبر 1191م مع صلاح الدين. الذي أبدى استعداده هو الآخر للاستماع إلى مقترحات ريتشارد. وثم إجراء المفاوضات في اللد، حيث كان يمثل صلاح الدين فيها أخوه العادل، ويمثل ريتشارد همفري سيد تبنين، الذي يعتبر خير من يجيد اللغة العربية في الصليبيين حينذاك، وقد أعاد ريتشارد مطالبه السابقة في مفاوضاته. ورد عليه صلاح الدين بقوله: “القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فأنه مسرى نبينا، ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه، ولا نقدر على التلفظ بذلك بين المسلمين، وأما البلاد فهي أيضًا لنا في الأصل، واستيلاؤكم كان طارئًا عليها لضعف من كان بها من المسلمين ذلك الوقت، وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، لا يجوز أن نفرط فيه إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها. المفاوضات بين صلاح الدين وكونراد أثناء انشغال صلاح الدين بالمفاوضات مع ريتشارد أرسل كونراد مونتفرات حاكم صور رسولًا من قبله، وعرض على صلاح الدين مقترحات كونراد لعقد الصلح معه، وبأن كونراد على استعداد للتحالف مع صلاح الدين، والانشقاق على الصليبيين ومخالفتهم. وقيامه بمساعدة صلاح الدين في استرداد عكا، مقابل إعطائه صيدا وبيروت. وكان دافع كونراد إلى ذلك خلافه مع الملك ريتشارد، الذي كان يطمع في صور، لذلك انفصل كونراد عنهم وتحصن في صور، كما كان ريتشارد يؤيد عدوه ملك بيت المقدس السابق – جاي لوزجنان- الذي ما زال لديه أمل في عودته ملكًا لبيت المقدس بعد استردادها، واستغلاله لتحقيق أطماعه. ورغم حرص صلاح الدين على سرية المفاوضات مع كونراد إلا أن ريتشارد علم بها، فأسرع إلى عكا لعقد مصالحة مع كونراد، وإحضاره إلى عكا. ووصل العادل إلى معسكر ريتشارد في20 مارس 1192م يحمل مقترحات صلاح الدين هذه المرة بشأن الهدنة والصلح وتتضمن: 1- يحتفظ الصليبيون بما سبق أن فتحوه. 2- الحق في أن يؤدوا الحج إلى بيت المقدس، ويحق لللاتين أن يجعلوا بها قسيسًا منهم. 3- يعود إليهم صليب الصلبوت، ويحق لهم أن يضيفوا بيروت بعد تخريب استحكاماتها. واستقبل الملك ريتشارد العادل ومن معه استقبلًا حافلًا، ومنح ابنه لقب فارس، وشده بحزام الفروسية، وأقام حفلًا له استبعد فيه بعض الطقوس المسيحية مراعاة لمشاعره الدينية، وتراءى له أخيرًا أن التوصل إلى تسوية سليمة أصبح وشيكًا، ولكنه طلب من العادل أن يمهله عدة أيام للتشاور والرد النهائي، وعادل العادل إلى صلاح ليخبره بقرب عقد الهدنة، ونهاية الحروب. وقد زادت حاجة ريتشارد إلى عقد الصلح بعد وصول رئيس دير هيرفورد من انجلترا ليخبر ريتشارد أن الأمور قد ساءت في انجلترا، إذ أن يوحنا شقيق الملك ازداد إمعانا في اغتصاب السلطة، وطلب منه كبير وزرائه هناك أن يبادر بالعودة إلى انجلترا، وترك الجند الفرنسيين الذين تبقوا معه بعد رحيل فيليب أغسطس، معسكر ريتشارد، واتجهوا إلى عكا، بعد أن أمرهم قائدهم هيو دوق برجنديا. واستجدت بعض الأمور التي جعلت ريتشارد يتراجع عن إتمام الصلح مع صلاح الدين، ويتوجه للقتال مرة أخرى، فبعد عودة العادل من عنده بأيام قتل كونراد أمير صور وغريمه الأكبر في الشام، وتولى بدلًا منه هنري كونت شامبانيا وابن أخت الملك ريتشارد، وتزوج ايزابيللا أرملة كونراد، ووريثة عرش مملكة بيت المقدس، ولم يمض على مقتل زوجها السابق سوى يومين، وبذلك تم حل مشكلة عرش مملكة بيت المقدس، كما تخلص الملك ريتشارد من جاي لوزجنان بمنحه حكم جزيرة قبرص مقابل مبلغ من المال يدفعه جاي لفرقة الداوية التي تحكم قبرص آنذاك. وبذلك لم يعد أمام ريتشارد أية مشاكل داخلية في الجبهة الصليبية وبينما يواصل صلاح الدين استعداداته للدفاع عن بيت المقدس، علم بارتداد الصليبيين إلى يافا بعد أن دارت في معسكرهم مناقشات حادة بين العساكر الفرنسيين وريتشارد. إذ كان الفرنسيون يرون الإسراع بالهجوم على بيت المقدس، بينما ريتشارد والإنجليز يعارضون تلك الفكرة بحجة عدم وجود مياه خارج المدينة، وأمر ريتشارد الصليبيين بالعودة إلى يافا. وكان لانسحاب ريتشارد رد فعل قوى في صفوف المسلمين، فارتفعت روحهم المعنوية، بينما ترك أثرًا سيئًا لدى الصليبيين، لذلك سعوا من جديد لعقد هدنة مع صلاح الدين، وكان أول من أستأنف المفاوضات في هذه الجولة هنري دي شامبني ملك بيت المقدس. وبعد ثلاثة أيام وصلت إلى صلاح الدين رسل ريتشارد الذي ازدادت رغبته في العودة السريعة إلى بلاده،  وجرت المفاوضات، وكان يمثل الجانب الإسلامي فيها الحاج يوسف صاحب سيف الدين المشطوب -أحد قادة صلاح الدين-، والجانب الصليبي أونفروي دي تورون. ما عرضه ريتشارد قلب الأسد في هذه المفاوضات التمسك بحق الصليبيين في حماية الأماكن المقدسة وبخاصة كنيسة القيامة، مع ضمان حرية الحج والعبادة للصليبيين، مع التنازل عن السيطرة السياسية على بيت المقدس، ولم يفت ريتشارد أن يشير بتسامح صلاح الدين وسعة صدره، وعبر عن أمله في أن يحظى ببعض ذلك الكرم، والذي اشتهر به صلاح الدين في معاملته للصليبيين. ووافق صلاح الدين على طلب ريتشارد، بل وسمح لقسس من اللاتين بالبقاء في الأماكن المقدسة، وعرض عليهم بالنسبة لباقي البلاد أن يكون للصليبيين ملك البلاد الساحلية من صور إلى يافا بشرط تدمير استحكامات عسقلان، فتكون هي وما وراءها خرابًا، وتكون البلاد الداخلية بما فيها بيت المقدس بأيدي المسلمين. وكان صلاح الدين حريصًا على أن لا تبقى عسقلان في يد الصليبيين فيقطعوا الطريق بين مصر والشام، ولم تكن هذه الأهمية لعسقلان بخافية على الصليبيين، لذلك تعثرت المفاوضات بسببها، ورفض ريتشارد تسليم عسقلان وتخريبها، كما رفض أيضًا أن يأخذ اللد مقابل عسقلان، وأصر على بقاء عسقلان في يد الصليبيين. ويبدو أن ريتشارد قد مل طول المفاوضات؛ فأراد أن يحقق نصرًا عسكريًا يعود به إلى بلاده، ولو لم يتم التوقيع على معاهدة مع صلاح الدين. فقرر السيطرة على بيروت والإبحار منها إلى أوروبا، فانتهز صلاح الدين ابتعاده عن يافا وقام بهجوم مفاجئ عليها، وسيطر على المدينة في أواخر يولية 1192م، واتفقت حاميتها على التسليم لصلاح الدين مقابل الإبقاء على حياتهم. وعندما علم ريتشارد بذلك عاد سريعًا إلى يافا، وكانت حاميتها مازالت بالقلعة، فلما رأوا سفن ريتشارد رفضوا التسليم عندما طلب منهم صلاح الدين، واستماتوا في القتال، كما هاجم ريتشارد المدينة، فأمر صلاح الدين جنده بالارتداد إلى يازور في داخل البلاد. وقرر صلاح الدين القيام بهجوم آخر في فجر الأربعاء 5 أغسطس 1192م على يافا، لأنه علم أن بها قوة صغيرة، ولم تصل الإمدادات بعد إلى ريتشارد، وكان الهجوم على يافا برًا وبحرًا، ونجح صلاح الدين في زحزحة البحارة الصليبيين من أماكنهم، وفروا هاربين لولا أن ريتشارد أعادهم إلى أماكنهم مرة أخرى، وصمد ريتشارد أمام الهجمات المتلاحقة لقوات صلاح الدين. وفي المساء أمر صلاح الدين قواته بالتراجع إلى الرملة، ومنها إلى بيت المقدس، مكتفيًا بما حققه من خسائر في الجانب الصليبي، وكانت هذه آخر مواجهة عسكرية بين صلاح الدين وريتشارد. الجولة الأخيرة للمفاوضات وعقد الصلح كان للمجهود الكبير الذي بذله ريتشارد في مواجهة صلاح الدين وجنده أثر في إعلال صحته ومرضه، فأرسل إلى صلاح الدين يطلب منه الإسراع في عقد الصلح، فأعاد صلاح الدين عرضه، وأصر على تسلم عسقلان، وكان من العسير على ريتشارد أن يقبل ذلك، لأنه لم يحقق أي كسب جديد للصليبيين بهذه الشروط. لم يكن ريتشارد في وضع يسمح له بالمساومة، ولم يكن إطالة الوقت في صالحه، فقد اشتد مرضه، بالإضافة إلى ما ارتكبه أخوه من أعمال سيئة ومحاولته اغتصاب السلطة في إنجلترا؛ مما يتطلب من ريتشارد عودة عاجلة، ومن العوامل التي أدت أيضًا إلى قبول ريتشارد لشروط صلاح الدين، ما حل بالجيش الصليبي من إرهاق بسبب كثرة حروبه مع صلاح الدين، وحدوث شقاق وخلاف بين الملك ريتشارد من ناحية وابن أخته هنري والطوائف الدينية والحربية مثل الداوية والاسبتارية من ناحية أخرى، لعدم ثقتهم في سياسته العسكرية، وفشله في استرداد بيت المقدس. شروط صلح الرملة 1- يكون للصليبيين المدن الساحلية من صور إلى يافا بما فيها قيسارية وحيفا وأرسوف وعكا والأعمال التابعة لكل من هذه البلاد. 2- تكون عسقلان للمسلمين بعد تدمير حصونها. 3- اللد والرملة مناصفة بين المسلمين والصليبيين. 4- يكون للمسيحيين حرية الحج إلى بيت المقدس دون مطالبتهم بأي ضريبة عن ذلك. 5- للمسلمين والمسيحيين الحق في أن يجتاز كل فريق منهم بلاد الفريق الآخر. 6- تكون الهدنة عامة في البر والبحر وتشمل بلاد الإسماعيلية في الشام، وإمارتي أنطاكية وطرابلس. 7- مدة الهدنة ثلاث سنين وثلاثة أشهر. وبناءً على ذلك أصدر صلاح الدين منشورًا يعلن فيه: “أن الصلح قد انتظم، فمن شاء من بلادهم يدخل بلادنا فليفعل، ومن شاء من بلادنا يدخل بلادهم فليفعل. نتائج صلح الرملة أصبح الطريق أمام المسلمين آمنا إلى الحجاز، وأمام المسيحيين آمنا إلى بيت المقدس، عقب توقيع الصلح بأيام قلائل، أمر صلاح الدين مائة نقاب ومعهم أمير من أمرائه لتخريب سور عسقلان، وتدميره بعد إخراج الفرنج منها وسارع التجار المسلمون بمد نشاطهم التجاري مع المدن الصليبية، وتوجه صلاح الدين إلى القدس وهو على أهبة الاستعداد لاستئناف القتال والحرب، تحسبا لأي تطورات طالما ريتشارد مازال في الشرق، وعادت الحياة الطبيعية إلى فلسطين بعد صلح الرملة. واستمر هذا الصلح حتى نهايته لانشغال ريتشارد بمؤامرات أخيه يوحنا في انجلترا، وحروبه مع فيليب أغسطس ملك فرنسا حتى توفى في 26مارس 1199م دون أن يحضر إلى الشرق مرة أخرى. والتزم الأمراء الصليبيون في الشرق بالصلح، ولم يحاولوا خرق الهدنة حتى بعد وفاة صلاح الدين واستمرت الهدنة دون خرق لها حتى نهايتها في ديسمبر 1195م وبدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين المسلمين والصليبيين.

مشاركة :