كثيراً ما نستمع لقصص تعلي من شأن المشاعر الإنسانية على حساب الماديات.. والتي تؤكد دوماً أن المال لا يشتري السعادة بينما الحب يفعل.. فما رأي العلم؟ ليست الإجابة بسيطة بل مركبة .. فمن ناحية، يخفف المال من المعاناة الناتجة عن نقصه .. فالمال الذي ينتشل الفقير من معاناته سيزيد من سعادته بالطبع، إلى حد معين لا يعود فيه المال هو كل شيء.. ومن هنا تتغير الأمور.. في تجربة طريفة تساءل الباحثون، أيهما يحفز الإنسان أكثر .. حب المال أم حب العمل؟ فجاؤوا بمجموعات من المتشوطين للقيام بمهمة ابداعية «بناء أطول برج من أعواد الاسباجيتي!» .. وقيل لهم إن الفائز سيحصل على 400 دولار.. وكرروا التجربة مجدداً، من دون أن يذكروا أن الفائز سيكسب شيئاً .. فماذا وجدوا؟ يمكنك مشاهدة هذه التجربة في وثائقي «100 إنسان» المتاح على منصة «نتفليكس»، سترى كيف أن تعبيرات وجوه وسلوكيات المجموعتين اختلفت بشكل جذري .. مجموعة المكافآت المالية كانت كتومة يتحدث أفراد كل فريق فيها همساً، بينما المجموعة الثانية كانت صاخبة يتبادل أفرادها المعلومات والأفكار وهم يضحكون ويقضون وقتاً ممتعاً .. وجوه المجموعة الأولى مكفهرة كمن يواجه تحدياً، ووجوه الثانية تشي بالاستمتاع بما تفعل. وكما هو متوقع، كان أداء المجموعة الثانية أفضل بكثير من الأولى .. لأن المشاعر الإيجابية مهمة لفرق العمل التي تؤدي عملاً إبداعياً .. بينما وجود المال خلق تنافساً كتم مسار تبادل المعلومات وغرس الرغبة في التفوق على الزميل بدلاً من اعتباره شريكاً للمرح! ليس معنى هذا أن المكافآت المادية لا تجدي.. بل بالعكس.. حين يخفت حماس المجموعة الثانية ستتوقف عن العمل.. لن يذهبوا في اليوم التالي.. بينما وجود مكافآت مالية مستمرة سيجعل الناس أكثر مواظبة .. لكن الأفضل وجود كل من الجانب المادي والمعنوي لضمان الاستمرارية والتفاني معاً. المؤسسات التي يزيد فيها تقدير الموظف المجتهد والاعتراف به employee recognition يزيد فيها التفاني في العمل ويتحسن الأداء المهني بشكل ملحوظ.. مثل هذه المكافآت المعنوية لا تقل أهمية عن المكافآت المادية. حب العمل أمر ضروري لزيادة الإنتاجية خصوصاً في المهن الإبداعية. إذ لن يحافظ المبدع على شغفه إن فقد معاناه وغايته. وهو ما ينبغي للفرد نفسه المحافظة عليه بالتغيير والتطوير وطرق مناطق جديدة غير معتادة تجدد الشغف وتحقق العائد المعنوي المطلوب للحفاظ على توقد جذوة الشغف.
مشاركة :