زار (آنانث رامان) أستاذ إدارة الأعمال بجامعة هارفارد أحد مصانع تويوتا بأميركا، وراح بحكم تخصصه يطرح الأسئلة على مدير المصنع الذي كان يجيبه بكل أريحية ويتجول معه في أرجاء المصنع.. وطلب أستاذ هارفارد على استحياء من المدير أن يسمح له بأخذ عدد من الصور ليفاجأ بمدير المصنع يقول له: "المصنع أمامك.. صوّر كما تشاء!". لم يصدق الأستاذ الجامعي أذنيه فقال:" سيدي الفاضل.. هل تعلم أنني أستاذ جامعي وسآخذ كل هذه الصور والبيانات وأعرضها على طلابي من مديري وقياديي القطاع الصناعي والشركات المنافسة لكم.. ألا تشعر بالقلق من ذلك؟". فأجاب مدير المصنع مبتسما:" حتى لو رأوا الصور وعرفوا كل أساليبنا فلن يستطيعوا مجاراتنا لأنهم لن يطبقوها كما نطبقها هنا في تويوتا والأهم من ذلك أن عمالهم وموظفيهم لا يمتلكون الفكر الذي يمتلكه موظفو تويوتا!".. مقالة اليوم تطرح نظرة الإدارة اليابانية لمشكلة الفكر! يعرض الأستاذ (فوجيتا سيئيتشيرو) الخبير الياباني في علوم التحسين المستمر (الكايزن Kaizen) تجربته في نقل هذا الفكر الإداري حيث ألقى مئات المحاضرات حول العالم وتمت استضافته في مؤسسات عربية كذلك ولكن لم تنجح سوى نسبة محدودة من المؤسسات في تطبيق الكايزن كما تطبقه المؤسسات اليابانية.. ويعرض فوجيتا بأن السر يكمن في الفكر! وبشكل أوضح ففي الكثير من دول العالم يحضر دورات الكايزن المديرون الذين يفشلون في نقل هذا الفكر إلى بقية العمال والموظفين.. وبالمقابل ففي اليابان أهم من يعول عليه في تطبيق الكايزن هم العمال في المصانع والموظفون العاديون وليس المديرين والقادة! وأذكر في أكثر من زيارة لمصانع يابانية مختلفة أن العمال كانوا يتنافسون في مسابقات أسبوعية حول أفضل عملية تحسين وتطوير تم تنفيذها ونجحت ويتم نشرها في لوحات كبيرة ليستفيد الجميع منها! وفي هذا الصدد، فأحد زملائي في مرحلة الدكتوراة بجامعة واسيدا (فوجيتا توكوؤو) والذي أدار شركة ساتو اليابانية كتب بحثه عن أسلوب طبقه في شركته التي يزيد عدد موظفيها على الألف بحيث يتيح للمدير التواصل والتعلم والاستفادة من منسوبي الشركة بغض النظر عن طبيعة العمل أو المنصب.. وبشكل أوضح ألزم هذا المدير جميع الموظفين بكتابة ثلاثة أسطر يومياً عن أي ملاحظات أو مشكلات مع مقترحات لحلها.. وطور آلية للفرز وقراءة أفضل المقترحات وتطبيق الصالح منها.. والهدف في النهاية هو كيف تجعل جميع منسوبي المؤسسة في حالة فكر وتفكير دائم للتطور والتحسين.. وقام صاحبنا بإصدار كتاب يباع في المكتبات اليابانية يحكي تجربة 16 عاماً في الإدارة بعنوان "هكذا تتغير الشركات بثلاثة أسطر!". وأطرح عليكم مثالاً في أهمية الفكر في الإدارة،، فعلى سبيل المثال نجد الكثير من المؤسسات في العالم العربي تتمسك بفكرة أن (الفشل) ممنوع وعار ولا يمكن القبول به.. وعليه فجميع القرارات والسياسات تبنى على أهمية تجنب الفشل ويصبح عدم تنفيذ أي شيء هو آمن السبل لعدم الوقوع في الخطأ.. وبالمقابل فيمكن التفكير كما يقول المثل الياباني بأن الفشل أساس النجاح! فإذا عملت المنظمة بهذا المفهوم ستجد الأفكار طريقها للنور ويمكن أن ترى الإبداعات.. ويكفي أن توماس أديسون المخترع الشهير فشل آلاف المرات قبل أن تنجح اختراعاته.. ولذلك هنالك عدد غير قليل من الشركات اليابانية تقدم جوائز سنوية لأفضل المشروعات الفاشلة لموظفيها! ولعل من أهم الدروس التي حاولت المقالة عرضها أن قوة المؤسسات والأوطان في اعتناق المنتمين إليها للفكرة وقدرتهم على تطبيقها كما أنه من المهم إشراك القائد لأتباعه في التفكير وابتكار الحلول.. وأختم بالحكمة القائلة:(إذا لم تنجح خطة "أ" فلا تقلق وكن هادئاً فما زال هنالك سبعة وعشرون حرفا).
مشاركة :