وهـــج الـكـتــابـة: الكتابة التفاعلية.. إبداع أم موضة؟ (1-2)

  • 4/16/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬نشرت‭ ‬الشاعرة‭ ‬العراقية‭ ‬نازك‭ ‬الملائكة‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬الكوليرا‮»‬‭ ‬ونشر‭ ‬بدر‭ ‬شاكر‭ ‬السياب‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬هل‭ ‬كان‭ ‬حبًا‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬تغييرًا‭ ‬دراماتيكيًا‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬البناء‭ ‬الموسيقي‭ ‬وتكييف‭ ‬التفعيلة‭ ‬ليكون‭ ‬ذلك‭ ‬إيذانًا‭ ‬بفجر‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭. ‬وسواء‭ ‬كانت‭ ‬نازك‭ ‬هي‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬كتبت‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة‭ ‬أو‭ ‬السياب‭ ‬أو‭ ‬علي‭ ‬أحمد‭ ‬باكثير‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الشعر‭ ‬قلبت‭ ‬كل‭ ‬الموازين‭ ‬وأثارت‭ ‬نقاشات‭ ‬ساخنة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬استمرت‭ ‬لسنوات‭. ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬أعقبه‭ ‬أو‭ ‬رافقه‭ ‬تغيير‭ ‬آخر‭ ‬ربما‭ ‬جذري‭ ‬على‭ ‬يد‭  ‬الشاعر‭ ‬اللبناني‭ ‬يوسف‭ ‬الخال‭ ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬مجلة‭ ‬شعر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬اشتملت‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬الشعرية،‭ ‬إيذانًا‭ ‬بحركة‭ ‬شعرية‭ ‬جديدة‭ ‬سميت‭ ‬بقصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬يوسف‭ ‬الخال‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬عاد‭ ‬للتوّ‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬إقامته‭ ‬فيها‭ ‬واستعار‭ ‬الاسم‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬أمريكية‭ ‬بنفس‭ ‬الاسم‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬روّاد‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الشعراء‭ ‬ادونيس،‭ ‬أسعد‭ ‬رزوق،‭ ‬انسي‭ ‬الحاج،‭ ‬خالدة‭ ‬سعيد،‭ ‬شوقي‭ ‬أبو‭ ‬شقرا‭ ‬ومحمد‭ ‬الماغوط‭ ‬وغيرهم‭. ‬وكان‭ ‬بعض‭ ‬شعراء‭ ‬التفعيلة‭ ‬يساهمون‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجلة‭ ‬منهم‭  ‬بدر‭ ‬شاكر‭ ‬السياب،‭ ‬لكنه‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬الإشاعات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬المجلة‭ ‬وروّاد‭ ‬الحركة‭ ‬بأنها‭ ‬مشبوهة‭ ‬والشعراء‭ ‬مشبوهين،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬السياب‭ ‬كان‭ ‬يساري‭ ‬الهوى‭ ‬آنذاك‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬زمن‭ ‬المد‭ ‬القومي‭ ‬واليساري،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬الصاق‭ ‬التهم‭ ‬بأي‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تيار‭ ‬ونعته‭ ‬بشتى‭ ‬الأوصاف‭ ‬وبكل‭ ‬قسوة‭. ‬عمومًا،‭ ‬فإن‭ ‬حركة‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬وحتى‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬شهدت‭ ‬مبادرات‭ ‬تطويرية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬ولن‭ ‬تتوقف‭.‬ ومع‭ ‬انبثاق‭ ‬العولمة‭ ‬وما‭ ‬رافقتها‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬الوسائل‭ ‬التقنية‭ ‬والسيبرانية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬والتي‭ ‬قال‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬العولمة‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬مستميتة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لحماية‭ ‬وإنقاذ‭  ‬نفسها‭  ‬من‭ ‬التهاوي‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق،‭ ‬بدأ‭ ‬الحديث‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الكتابة‭ ‬التفاعلية‭ ‬أو‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أو‭ ‬الرقمية‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الخوارزميات‭ ‬الالكترونية‭ ‬لتسهيل‭ ‬إيصال‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬الكتابة‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الجنون‭ ‬الحالي‭ ‬والتوجه‭ ‬المحموم‭ ‬نحو‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.  ‬ففي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬نشر‭ ‬الكاتب‭ ‬الأردني‭ ‬محمد‭ ‬سناجلة‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬تفاعلية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬وهي‭ ‬رواية‭ (‬ظلال‭ ‬الواحد‭)‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬شكّل‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬عبر‭ ‬الوسيط‭ ‬الإلكتروني‭ ‬كما‭ ‬قال‭. ‬وقد‭ ‬أصدر‭ ‬سناجلة‭ ‬عدة‭ ‬أعمال‭ ‬بعد‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬ليحدث‭ ‬ضجة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مستمرة‭ ‬بين‭ ‬القبول‭ ‬والرفض‭ ‬مستعينًا‭ ‬بالوسائط‭ ‬الإلكترونية‭.‬ مؤخرًا‭ ‬أعدت‭ ‬الباحثة‭ ‬الجزائرية‭ ‬ريمة‭ ‬حمريط‭  ‬أطروحتها‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬عنها‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬سيميائية‭ ‬اللغة‭ ‬والصورة‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬التفاعلي‭ ‬العربي‭ - ‬روايات‭ ‬محمد‭ ‬سناجلة‭ ‬أنموذجا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬عالجت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬موضوع‭ ‬النص‭ ‬التفاعلي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الثقافة‭ ‬الرقمية‭ ‬والبعد‭ ‬التقني‭ ‬والتكنولوجي‭. ‬تقول‭ ‬الباحثة‭ ‬‮«‬أن‭ ‬النص‭ ‬التفاعلي‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬خارج‭ ‬الورق‭ ‬تحقَقَت‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬الدمج‭ ‬بين‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬والوسائط‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المتعددة،‭ ‬ليس‭ ‬لإحداث‭ ‬قطيعة‭ ‬أدبية‭ ‬بل‭ ‬لبيان‭ ‬استمرارية‭ ‬التجريب‭ ‬الأدبي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يأخذه‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬بالشكل‭ ‬التدريجي،‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬الوسيط‭ ‬التقني‭ ‬المعتمد‭ ‬مباشرة،‭ ‬وإنما‭ ‬ارتبط‭ ‬قبلًا‭ ‬بوسائط‭ ‬تقنية‭ ‬أخرى‭ ‬غيره‭ ‬كالفيلم‭ ‬أو‭ ‬السينما‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬مزايا‭ ‬التفاعل‭ ‬التقني‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬والأنفوجرافي‮»‬‭.‬ وتؤكد‭ ‬حمريط‭ ‬‮«‬أن‭ ‬النص‭ ‬التفاعلي‭ ‬حقيقة‭ ‬أدبية،‭ ‬وقد‭ ‬ميَّزهُ‭ ‬عصرنا‭ ‬التكنولوجي‭. ‬وليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬إثبات‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬والنقدية‭ ‬ويواجه‭ ‬الهجوم‭ ‬والتصدي،‭ ‬لأن‭ ‬تقبله‭ ‬يعني‭ ‬تقبل‭ ‬تغيير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالعملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬وكسر‭ ‬الثوابت‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬التعددية‭ ‬والمشاركة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬سيرنا‭ ‬باتجاه‭ ‬التقنية‭ ‬يسرا‭ ‬وطواعية،‭ ‬ممَّا‭ ‬يجعلنا‭ ‬مطالبين‭ ‬بتناول‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬والمراهنة‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬ركيزة‭ ‬مستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬وفضاء‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬إنسان‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬كينونته‭ ‬التكنولوجية‭ ‬وعالمه‭ ‬الافتراضي‮»‬‭. (‬يتبع‭). ‬   Alqaed2@gmail‭.‬com‭ ‬

مشاركة :