وهـــج الـكـتــابـة: العبور بين أشكال الإبداع

  • 8/21/2021
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬نظمت‭ ‬أسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتّاب‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬ندوة‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬عبور‭ ‬بين‭ ‬أشكال‭ ‬الإبداع‮»‬‭ ‬تألقت‭ ‬فيها‭ ‬ضيفة‭ ‬الأمسية‭ ‬الكاتبة‭ ‬الدكتورة‭ ‬جميلة‭ ‬الوطني،‭ ‬وأضاءت‭ ‬الكاتبة‭ ‬الشابة‭ ‬ندى‭ ‬عبدالرحمن‭ -‬كعادتها‭- ‬في‭ ‬ادارة‭ ‬الأمسية‭. ‬تناولت‭ ‬الندوة‭ ‬موضوع‭ ‬الساعة‭ ‬مع‭ ‬عبور‭ ‬الشعراء‭ ‬–‭ ‬خاصة‭-  ‬بل‭ ‬وكبار‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الى‭ ‬السرد،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬المقال،‭ ‬فاتحين‭ ‬نافذة‭ ‬جديدة‭ ‬للتعبير،‭ ‬وهم‭ ‬يشعرون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يتوجب‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬أو‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬عبر‭ ‬أدوات‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬الشعر،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تكثيف‭ ‬شديد‭ ‬للمعنى‭ ‬بينما‭ ‬السرد‭ ‬يتيح‭ ‬فرصة‭ ‬الاستطراد‭ ‬والتحليق‭ ‬مثل‭ ‬عصفورة‭ ‬في‭ ‬الفضاءات‭ ‬الحرة‭ ‬الواسعة‭. ‬سأتناول‭ ‬الموضوع‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أقصد‭ ‬أحدًا‭ ‬بالذات‭.  ‬فالظاهرة‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬العبور‭ ‬التي‭ ‬نشهدها‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬توجّه‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬صدر‭ ‬لهم‭ ‬ديوان‭ ‬واحد‭ ‬مثلًا‭ ‬بمستوى‭ ‬متواضع‭ ‬الى‭ ‬إصدار‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يحبو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الشعر‭ ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬أن‭ ‬يسمونه‭ ‬شاعرًا‭ ‬أو‭ ‬قاصًا‭ ‬أو‭ ‬روائيًا‭ ‬أو‭ ‬كاتبًا‭. ‬هذا‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬عبورًا،‭ ‬بل‭ ‬تيهًا‭ ‬أو‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الإسلوب‭ ‬الأمثل‭ ‬للتعبير،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مشروع‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يطلب‭ ‬هذا‭ ‬الفلان‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬أية‭ ‬صفة‭ ‬إبداعية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتبلور‭ ‬تجربته‭ ‬وتتعمق‭. ‬فلم‭ ‬يتحول‭ ‬الشاعر‭ ‬ابراهيم‭ ‬نصرالله‭ ‬أو‭ ‬الشاعر‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ ‬الى‭ ‬روائيين‭ ‬بجرة‭ ‬قلم،‭ ‬ولم‭ ‬يتحوّل‭ ‬الشاعر‭ ‬سعدي‭ ‬يوسف‭ ‬الى‭ ‬مترجم‭ ‬وكاتب‭ ‬بسهولة‭ ‬تناول‭ ‬الأيسكريم‭. ‬هؤلاء‭ ‬قضوا‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬ولهم‭ ‬مكانتهم‭ ‬البارزة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭. ‬العبور‭ ‬ليس‭ ‬لعبة‭ ‬يتسلى‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬الموهوبين‭ ‬أو‭ ‬قليلو‭ ‬الموهبة‭.‬ العبور‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمبدع‭ ‬هو‭ ‬القفز‭ ‬في‭ ‬نهر،‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬من‭ ‬يقود‭ ‬من،‭ ‬الموج‭ ‬أم‭ ‬الموهبة‭. ‬متعةٌ‭ ‬حقيقية‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬مبدع‭ ‬من‭ ‬العبور‭ ‬المتمكن‭ ‬الواثق‭. ‬والشاعر‭ ‬المتمكن‭ ‬ذو‭ ‬التاريخ‭ ‬العريق‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬ينطلق‭ ‬سردًا‭ ‬بتمكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬شاعريته‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬أدواته‭ ‬الشعرية‭ ‬لينقش‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬القصة‭ ‬بلغته‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬تتحول‭ ‬سردًا،‭ ‬مُطرزًا‭ ‬بالشعر‭. ‬ونادرًا‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬روائيًا‭ ‬عبر‭ ‬إلى‭ ‬الشعر،‭ ‬شخصيًا‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬أو‭ ‬أسمع،‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬جهلي‭. ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬قمة‭ ‬الإبداع‭ ‬الإنساني،‭ ‬الشاعر‭ ‬داخله‭ ‬بركان،‭ ‬أو‭ ‬تدفق‭ ‬سحري،‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬ينطلق‭/‬يعبر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬إبداعي‭ ‬آخر‭ ‬فإنه‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يبدع‭ ‬منطلقًا‭ ‬من‭ ‬حساسيته‭ ‬الشعرية‭ ‬وشفافيته‭ ‬المفرطة‭. ‬اذن‭ ‬الشعر‭ ‬أولًا،‭ ‬فالثقافة‭ ‬العربية‭ ‬حسب‭ ‬علمي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬سردي‭ ‬معروف،‭ ‬العرب‭ ‬لسانهم‭ ‬الشعر‭ ‬وكذلك‭ ‬الفرس‭ ‬واليونانيين‭. ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الفارسي‭ ‬يقفز‭ ‬اسم‭ ‬عمر‭ ‬الخيام‭ ‬وحافظ‭ ‬وشيرازي‭ ‬وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬اليوناني‭ ‬نتذكر‭ ‬هوميروس‭ ‬والألياذة‭ ‬وادريانوس‭ ‬واسخيلوس‭ ‬الاسكندري‭ ‬وكلهم‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الملاحم،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬الملاحم‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬المكتوب‭ ‬شعرًا‭.‬ تطوّر‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬من‭ ‬العمودي‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬الحر‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬إلى‭ ‬شعر‭ ‬الومضة‭ ‬والهايكو‭ ‬الياباني‭ ‬الأصل‭. ‬أجل‭ ‬تطور‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬ليغرق‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬والسريالية‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نفور‭ ‬العامة‭ ‬منه‭ ‬لصعوبته‭ ‬وعمقه،‭ ‬فأقبل‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬حتى‭ ‬بدأ‭ ‬البعض‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬عصرنا‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬الرواية‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬دفع‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬العبور‭ ‬إلى‭ ‬السرد،‭ ‬مجرد‭ ‬رأي‭ ‬بسيط‭ ‬قابل‭ ‬للنقاش‭ ‬الدحض‭. ‬ لذلك‭ ‬أقول،‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬العبور‭ ‬ليست‭ ‬سهلة،‭ ‬وليست‭ ‬نزهة،‭ ‬فالإبداع‭ ‬بحر‭ ‬متلاطم‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬أدوات‭ ‬الغوص‭ ‬كي‭ ‬يقاوم‭ ‬الموج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهادن‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬أسراره‭ ‬سوى‭ ‬أصحاب‭ ‬الأقلام‭ ‬الأصيلة‭ ‬والواثقة‭ ‬والمتمكنة‭.‬ Alqaed2@gmail‭.‬com

مشاركة :