قبل فترة قصيرة نظمت أسرة الأدباء والكتّاب عبر العالم الافتراضي ندوة بعنوان: «عبور بين أشكال الإبداع» تألقت فيها ضيفة الأمسية الكاتبة الدكتورة جميلة الوطني، وأضاءت الكاتبة الشابة ندى عبدالرحمن -كعادتها- في ادارة الأمسية. تناولت الندوة موضوع الساعة مع عبور الشعراء – خاصة- بل وكبار الشعراء من الشعر الى السرد، سواء كان قصة قصيرة أو رواية أو المقال، فاتحين نافذة جديدة للتعبير، وهم يشعرون أن هناك الكثير مما يتوجب أن يقال أو يمكن أن يُقال عبر أدوات أخرى غير الشعر، الذي هو عبارة عن تكثيف شديد للمعنى بينما السرد يتيح فرصة الاستطراد والتحليق مثل عصفورة في الفضاءات الحرة الواسعة. سأتناول الموضوع بصورة عامة دون أن أقصد أحدًا بالذات. فالظاهرة السلبية في مسألة العبور التي نشهدها اليوم هي توجّه بعض الشعراء الذين صدر لهم ديوان واحد مثلًا بمستوى متواضع الى إصدار رواية أو مجموعة قصص قصيرة خلال فترة وجيزة، وهو ما زال يحبو في مجال الشعر ويطلب من الآخرين أن يسمونه شاعرًا أو قاصًا أو روائيًا أو كاتبًا. هذا في اعتقادي لا يعتبر عبورًا، بل تيهًا أو بحثًا عن الإسلوب الأمثل للتعبير، وهذا أمر مشروع ولكن يجب أن لا يطلب هذا الفلان أن نطلق عليه أية صفة إبداعية قبل أن تتبلور تجربته وتتعمق. فلم يتحول الشاعر ابراهيم نصرالله أو الشاعر غازي القصيبي الى روائيين بجرة قلم، ولم يتحوّل الشاعر سعدي يوسف الى مترجم وكاتب بسهولة تناول الأيسكريم. هؤلاء قضوا سنوات طويلة في كتابة الشعر ولهم مكانتهم البارزة على مستوى الوطن العربي. العبور ليس لعبة يتسلى بها غير الموهوبين أو قليلو الموهبة. العبور بالنسبة للمبدع هو القفز في نهر، لا يدري من يقود من، الموج أم الموهبة. متعةٌ حقيقية أن يتمكن مبدع من العبور المتمكن الواثق. والشاعر المتمكن ذو التاريخ العريق في كتابة الشعر ينطلق سردًا بتمكن دون أن يغادر شاعريته أو بمعنى آخر يحمل معه أدواته الشعرية لينقش الرواية أو القصة بلغته الشعرية التي تتحول سردًا، مُطرزًا بالشعر. ونادرًا ما نرى روائيًا عبر إلى الشعر، شخصيًا لم أر أو أسمع، ربما بسبب جهلي. في رأيي الشخصي أن الشعر هو قمة الإبداع الإنساني، الشاعر داخله بركان، أو تدفق سحري، لذلك عندما ينطلق/يعبر إلى أي شكل إبداعي آخر فإنه عادةً ما يبدع منطلقًا من حساسيته الشعرية وشفافيته المفرطة. اذن الشعر أولًا، فالثقافة العربية حسب علمي ليس لها تاريخ سردي معروف، العرب لسانهم الشعر وكذلك الفرس واليونانيين. عندما نتحدث عن الأدب الفارسي يقفز اسم عمر الخيام وحافظ وشيرازي وعندما نتحدث عن الأدب اليوناني نتذكر هوميروس والألياذة وادريانوس واسخيلوس الاسكندري وكلهم من شعراء الملاحم، علمًا بأن الملاحم تتألف من الكثير من السرد المكتوب شعرًا. تطوّر الشعر العربي كثيرًا، من العمودي إلى الشعر الحر إلى قصيدة النثر إلى شعر الومضة والهايكو الياباني الأصل. أجل تطور الشعر العربي ليغرق في الفلسفة والسريالية مما أدى إلى نفور العامة منه لصعوبته وعمقه، فأقبل على الرواية حتى بدأ البعض يطلق على عصرنا «زمن الرواية»، وهذا في اعتقادي دفع كثيرًا من الشعراء إلى العبور إلى السرد، مجرد رأي بسيط قابل للنقاش الدحض. لذلك أقول، إن عملية العبور ليست سهلة، وليست نزهة، فالإبداع بحر متلاطم لا يرحم من لا يحمل أدوات الغوص كي يقاوم الموج الذي لا يهادن ولا يعرف أسراره سوى أصحاب الأقلام الأصيلة والواثقة والمتمكنة. Alqaed2@gmail.com
مشاركة :