الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، من كبار علماء الصحابة، ومن حفّاظ القرآن الكريم، ورد في فضله مجموعة من الأحاديث، منها: ما رواه عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: كنت غلاماً يافعاً أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوبكر رضي الله عنه، وقد فرَّا من المشركين، فقالا: يا غلام، هل عندك من لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن، ولست ساقيكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟»، قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح الضرع، ودعا، فحفل الضرع، ثم أتاه أبوبكر رضي الله عنه بصخرة منقعرة، فاحتلب فيها، فشرب، وشرب أبوبكر رضي الله عنه، ثم شربت، ثم قال للضرع: اقلص فقلص، فأتيته بعد ذلك، فقلت: علمني من هذا القول؟ قال: «إنك غلام معلم»، قال: فأخذت من فيه سبعين سورة، لا ينازعني فيها أحد»، (مسند أحمد، 4412). وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد»، (مستدرك الحاكم، 4451)، أي: عبدالله بن مسعود. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد»، (مسند أحمد، 4255). وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مم تضحكون؟»، قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: «والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد»، (صحيح ابن حبان، 7069). ونسب سيدنا عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي المهاجري، البدري، حليف بني زهرة، الإمام الحبر، فقيه الأمة، كان من السابقين الأولين، ومن النجباء العالمين، وهاجر الهجرتين، ومناقبه غزيرة، روى علماً كثيراً، وهو من كبار علماء الصحابة وحفّاظ القرآن، قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي، ومعاذ بن جبل»، (صحيح البخاري، 3806). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع القرآن منه، وكان يخشع لقراءته رضي الله عنه، فعنه رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليَّ»، قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل!، قال: «إني أشتهي أن أسمعه من غيري»، قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا)، «سورة النساء: الآية 41»، قال لي: «كُفَّ - أو أمسك-»، فرأيت عينيه تذرفان، (صحيح البخاري، 4583). ولقد حرص رضي الله عنه على العمل بكتاب الله تعالى، فعنه رضي الله عنه قال: كنّا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن، لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه، قيل لشريك: من العمل؟ قال: نعم، (السنن الكبرى للبيهقي، 5289). وهو أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة، وذلك لما نزلت سورة الرحمن. وكان رضي الله عنه من أشبه الناس هدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حذيفة رضي الله عنه: «إن أشبه الناس هدياً ودلاً، وقضاء، وخطبة برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع - ولا أدري ما يصنع في أهله - لعبدالله بن مسعود، والله إن المحظوظين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليعلمون أن ابن مسعود من أقربهم وسيلة»، (المعجم الكبير للطبراني، 4846). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويكرمه. توفي عبدالله بن مسعود رضي الله سنة «32 ه» بالمدينة المنورة، ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه، رحمه الله تعالى ورضي عنه.
مشاركة :