د. شريف عرفة يكتب: ضبط سردية الحياة

  • 7/16/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لكل واحد منا قصة حياة. قصة يحكيها لنفسه ملخصاً ما مر به من أحداث، ومفسراً ما شابها من تحولات وتغيرات، ولأنها غزيرة الأحداث المعقدة والمتشابكة، فإن في إمكان كل واحد منا روايتها بألف طريقة وألف أسلوب.. وطريق سردنا لهذه الحكاية هو ما يحدد استقرارنا النفسي! لكل واحد منا مجموعة من الثوابت، التي تغيرت بفعل الزمن والنضج إلا أننا لا نلاحظ.. يكفي أن تلقي نظرة على صفحات التواصل الاجتماعي وتقرأ ما كنت مقتنعا به منذ عشر سنوات، لترى بنفسك ما انتابك من تغيرات تدريجية لدرجة أنك لا تلاحظها. رغم هذه التحولات والمنعطفات، إلا أن نظرتنا لأنفسنا تكاد تكون ثابتة. كأن يقول المرء لنفسه: أنا إنسان جيد.. أو حياتي مستقرة تسير على هذه الوتيرة.. إذ يحلو لنا النظر لأنفسنا بإيجابية، وتوهم أننا نفهم منطق الأحداث التي تدور حولنا، حتى بفعل الحكمة بأثر رجعي.. هذا الفهم للنفس والعالم، يشكل معنى الحياة وركيزة الاستقرار النفسي.. الأمر الذي ينهار حين يحدث خلل في هذه السردية بفعل أحداث جسيمة غير متوقعة لا تستوعبها السرية الحالية.. أحداث نسميها: صدمات الحياة. لم تعد الحياة مستقرة يمكن التنبؤ بأحداثها.. لم تعد القصة القديمة تصلح، لأن «كذا» قد حدث.. كنت أظنني غنياً إلى أن فقدت مالي.. كنت أظن علاقي مستقرة إلى أن حدث الطلاق.. هنا، أصبح إعادة صياغة السردية بشكل مفهوم متسق، منطقياً ووجدانياً، شرطاً ضرورياً لاستعادة الاتزان النفسي والتجاوز. عملية ضبط السردية هذه نقوم بها تلقائياً في حياتنا اليومية.. دون أن نلاحظ أننا بذلك نعيد الصياغة ونعدّل القصة ونضبط السرد.. حين نشكو همنا لصديق.. أو نحكي مشاكلنا لشريك الحياة.. أو نفضي بأسرارنا لشخص مقرب كي نتخلص من عبء كتمانها في صدورنا.. عملية الكلام هذه لا تعد فقط للتنفيس، بل لضبط السردية.. حين تحكي المشكلة تفككها وتفهمها فتخلق لها معنى جديداً. فالكلام ليس مجرد إخراج لفكرة في أذهاننا، بل أثنائه تنبثق معان جديدة. كما تولد فكرة أثناء العصف الذهني.. أو حين تجد نفسك قائلاً تعليقاً طريفاً وليد اللحظة يضحكك أنت شخصياً.. يحدث مثل هذا حين نحكي مشاكلنا أو حين نكتبها كمذكرات أو ندون اليوميات، تذهب مدرسة علم نفس السرد - للعالم بنيبيكر - إلى ذلك يأتي بنفس المفعول، لأن الكتابة أيضاً تخلق المعني.. سل أي كاتب عن كم الأفكار التي تأتيه أثناء الكتابة ولم تكن في باله وقتها كي تعرف. أحياناً يتطلب الأمر القيام بهذه السردية مع معالج نفسي متخصص.. الجلوس على الشيزلونج والحديث عن المشكلة وجذورها والعوامل المؤثرة فيها التي ربما تمتد منذ الطفولة - كما يفعل المحللون النفسيون - ما هو إلا محاولة خلق اتساق مع قصة الحياة منذ بدايتها إلى اليوم. فاحك لنفسك قصة حياتك. لأن اتساقها قد يفيدك نفسياً!

مشاركة :