لم يكن رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية بحاجة لزيارة الديمان. فلا هو متضامن فعلياً مع البطريرك الراعي والمطران الحاج، ولا المسيحيون ينتظرون في خضم هذه الحادثة من "يكرُز" عليهم بأهمية الحوار والانفتاح واحترام المؤسسات. مواقف فرنجية السياسية معروفة ويسهل توقع ما سيقوله في كل شأن عام، لذلك كانت لزوم ما لا يلزم محاولته إمساك العصا من وسطها وإحالته قضية توقيف المطران الى "نظرية مؤامرة" تطرح سؤال: من المستفيد؟ مفيد تذكير رئيس "المردة" والقارئ الذي لم يجايل فترة الثمانينات بأن هذا السؤال الغريب العجيب تردد كثيراً على لسان وزير خارجية سوريا الراحل فاروق الشرع في كل مرة كان يُخطف فيها أجانب في لبنان و"يتوسط" شخصياً لإطلاقهم بقدرة قادر أمام الكاميرات في الشام. والجواب لم يكن يخفى على اي متابع ساذج أو سياسي ناضج. ولكي لا يبقى رئيس "المردة" في حالة التباس، نقول إنه ليس هناك مستفيد مباشر، بل مَن يريد بطريقة ملتوية أن يلوي ذراع البطريرك الراعي مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة ويبلغه بأن المواصفات التي وضعها لمن يخلف ميشال عون تنقض الرسم التشبيهي لمرشح 8 آذار، وأن دون التمسك بانتخاب رئيس سيادي ينقذ لبنان عبر الحياد دفعُ أثمان. والطرف نفسه يرغب في إفهام اللبنانيين أنه يستطيع استهداف رأس "الممانعة السيادية" لتمريغ بكركي في ملفات ترفض "فحص دم" فيها، أو تقديم تنازلات تتعلق بقناعاتها منذ زيارة البطريرك الى القدس برفقة البابا فرنسيس قبل تسعة أعوام. زيارة فرنجية للديمان لم تُعدل صورته مسيحياً في موسم ترشحه لأعلى منصب ماروني، ليس لأنه مواربٌ في موضوع توقيف المطران الحاج، بل لأنه لا يزال يجاهر بالانتماء المباشر الى المحور السوري الايراني. وليس تذرعه بالواقعية في التعاطي مع مسألة سلاح "حزب الله" الا نسخة عن واقعية مشابهة كان يعبّر عنها رافضاً اعادة انتشار الجيش السوري، قبل ان يصير جلاؤه مطلب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين إثر "الإغتيال الكبير". مِثل الرئيس اميل لحود، لا يحتاج سليمان فرنجية اصلاً الى غطاء مسيحي في سباقه الى الرئاسة. فلا يقلل من حظوظه اختصار تمثيله النيابي الى نائب واحد في زغرتا أو عدم ايفائه بأي شرط سيادي من مواصفات البطريرك الماروني. هو مرشح "طبيعي" لقوى 8 آذار و"الثنائي الشيعي"، وأحد مخرجات إفطار الضاحية الشهير الذي جمعه مع منافسه جبران باسيل. يُروِّج له أحد أركان "المنظومة" مع الفرنسيين، ويسوِّقه آخر عند بعض الخليج، ويستعجل الرئيس بري لتمريره قبل تغيّر الظرف الإقليمي، لكن رهان "حزب الله" لإنجاحه قائم أساساً على تذبذب النواب "التغييريين"، وضياع "سُنة الحريري" السابقين، وتشتّت المعارضين السياديين.
مشاركة :