لزوم ما لا يلزم: وصايا روبرت فورد

  • 3/11/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي «ما أحمله لكم اليوم أخبار غير جيدة عن سورية حيث فصيل من القاعدة يواجه فصيلاً آخر من القاعدة أيضاً. الوضع منقسم إلى هذه الدرجة، شظية حادة مقابل شظية حادة أخرى». هكذا استهل السفير الأميركي إلى سورية روبرت فورد، والمتقاعد منذ أيام فقط، كلمته التي أوجز فيها تجربته خلال تولّيه الملف السوري في الخارجية الأميركية، سفيراً لبلاده في دمشق، ثم ديبلوماسياً مفوّضاً للتعامل مباشرة مع الأطراف المعنية بالأزمة السورية. وإذ أوجزت مجلة «كريستيان ساينس مونيتُر» الأميركية كلمة السفير فورد في نقاط سبع، فسأحاول أن أنجز ردّاً مباشراً على هذه النقاط من خلال تجربتي، كسورية، في صفوف المعارضة منذ وضعتْ لبنتها الأولى في المجلس الوطني السوري من جهة، وفي ردهات الإدارة الأميركية من جهة أخرى، وقد عملت مع مسؤوليها عن قرب، كأميركية سورية، وعلى امتداد سنوات الثورة الثلاث، لحثّهم على تقديم الدعم اللازم للثورة، ولنقل صورة الداخل بأمانة وموضوعية، وهي الصورة التي لا تخفى عن السفير فورد البتة. فقد شهدها بنفسه منذ بواكير الحراك الثوري السلمي الذي حضره شخصياً في ساحة العاصي بحماة، وتنقّل بنفسه بين المتظاهرين السلميين تحت أقواس السواعد العارية وأغصان الزيتون والأهازيج الثورية منادية برحيل الأسد. فمن المستهجن أن يستهلّ السفير حديثاً له بتوصيف الوضع على أنه مجرد اقتتال بين شقّين من القاعدة، وألا يبدأ كلمته بالحديث عن الثورة السلمية التي شهد فصل ربيعها الأول، وحوّلها النظام تدريجياً مواجهةً مسلّحة مع شعب أعزل، وزجّ لاحقاً في صفوفها فئات مسلّحة متطرفة كان هو صانعها ومُرسلها إلى العراق لتقويض مساعي قيام دولة ديموقراطية في الجوار السوري تهدّد بقاء كيانه الاستبداديّ. 1- حمّل فورد مسؤولية فشل جولتين من مفاوضات جنيف2 إلى وفد النظام برئاسة بشار الجعفري مستنداً إلى تصريحات راعي المؤتمر، الأخضر الإبراهيمي. أتساءل: هل كان السفير والسيد الإبراهيمي يجهلان ما سيكون عليه موقف النظام في المفاوضات التي دفعا المعارضة دفعاً لحضورها، حتى أدى ضغط فورد إلى صدع في جسمها قد لا يلتئم أبداً؟! فلو توافرت الإرادة السياسية الجادّة لأميركا في جلب وفد النظام وهو في وضع أضعف ليسجّل موقفاً متجاوباً، لسهّلت عبور السلاح لمقاتلي المعارضة لتأمين التوازن العسكري على الأرض، والذي يؤدي إلى توازنات سياسية في المفاوضات. لكن فورد وإدارته لم يفعلا. ووصل النظام بنفَس متغطرس إثر اقتحام قواته غير مدينة واستعادته عديد المواقع من المعارضة. 2- اتهم فورد المعارضة بأنها «غير قادرة على دعم قضيتها»! لكنْ كيف للمعارضة أن تدعم قضيتها، وتروّج لها أميركياً ودولياً، فيما يشير حليفها الأميركي (بلهجة فورد التهكمية) إلى فصائل متطرفة تقاتل في صفوفها، متجاهلاً تنبيهنا له، إثر أول سابقة تفجير في حي القابون في 2011، من أن هذه العملية من فبركة النظام وتنفيذ الخلايا النائمة التي شكّلها بشار الأسد حين دخول أميركا إلى العراق، وأنشأ لها المعسكرات التدريبية على الأراضي السورية، ثم أرسلها إلى العراق لزعزعة استقراره؛ وهو يستعيدها اليوم ويزجّها في عمليات إرهابية هنا وهناك لخلط الأوراق، وتجريم المعارضة بتهمة الإرهاب، وتخيير العالم بين بقائه في الحكم وتحوّل سورية دولةً فاشلة تشكّل ملاذاً للقاعدة كما شمال أفغانستان. فورد يعلم تماماً أن تأخّر تسليح المعارضة ودعمها لإسقاط الأسد هو الذي سمح لهذه الخلايا أن تطوّر أدواتها، وترسّخ وجودها (على مرأى ومسمع أميركا) وتستدعي المقاتلين الأجانب المتطرفين الذين لم يهاجموا يوماً هدفاً نظامياً واحداً، بل تركّز هدفهم العسكري على المعارضة، بما فيها الكتائب الإسلامية المعتدلة. أما هدفهم العقائدي فاستعادة دولة «الخلافة» وعنوانها السياسي: دولة الإسلام في العراق والشام. واختاروا لدولتهم موقعاً جغرافياً لم تشغله المعارضة بإشغاله حين حُرّر من النظام، فسارعوا إلى زرع أوتادهم في الرقّة. 3- يعود السفير ليناقض مقاله في قضية تمييز المعارضة عن الجهاديين مشيراً إلى أن»الفصائل المقاتلة يجب أن تجلس إلى طاولة واحدة، بما فيهم (الجهاديون)». حتى أنه رأى ضرورة «مشاركة إيران وانضمام ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني». وفي هذا الطرح تناقض صارخ ليس فقط مع القرار الأميركي بعدم جواز الجلوس ومفاوضة الإرهابيين بشكل مطلق، بل مع القرار الدولي بعدم دعوة إيران ولو بصفة مراقب، ما أدّى إلى إلغاء دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لطهران إلى جنيف2، قبل 24 ساعة من جولته الأولى، وبضغط سعودي فرنسي مشترك. 4- فيما يؤكّد فورد أن «تضمين إيران في المفاوضات لن يكون مفيداً بالدرجة المطلوبة» فإنه يرى في وجودها أمراً حتمياً لأنها «الدولة الأكثر تأثيراً في سورية». لكنّ إيران أصبحت فعلاً «الأكثر تأثيراً» لسبب أساس وهو غياب التأثير الأميركي في الوضع السوري وابتعاد الإدارة الأميركية عن اتخاذ مواقف حاسمة في دعم الثورة بالعتاد والسلاح، ما كان سيمكّنها، وخلال فترة وجيزة، من إسقاط الأسد من دون أن تدخل سورية والمنطقة برمتها في هذا النفق المظلم نتيجة التراخي الأميركي، بل منع دول إقليمية من إمداد الجيش الحرّ بما يحتاجه للحسم. 5- في طرحه لقضية استخدام القوة المباشرة لإسقاط الأسد ونظامه، أودّ لو أنعش ذاكرة السفير وأسترجع الزيارة التي قمنا بها إلى مكتبه في نيسان (أبريل) 2012 وقدّمنا له مذكرة قانونية لحماية المدنيين تحت طائلة الفصل السابع، وبموافقة مجلس الأمن أو بعدمها (الحالة اليوغوسلافية نموذجاً). لم يلقِ ولو نظرة سريعة على الأوراق، ورمى بها على سطح مكتبه وهو يبتسم ابتسامة صفراء، وتابع «نهش» التفاحة التي أخرجها من حافظة طعام غدائه بحضور أعضاء الوفد السوري الذي رافقني في تقديم المذكرة ودعمها! كان بإمكان المذكّرة، لو أن الولايات المتحدة دفعت بها في الأمم المتحدة، أن ترسل إشارة قوية من المجتمع الدولي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) للقيام بما يلزم من ضربات جراحية لإسقاط النظام من دون تحميل الولايات المتحدة ما لا تطيق من تدخّل عسكري أحادي قد يكون الشرّ الذي لا بدّ منه (ما زلت أذكر تلك «الضحكة الصفراء» كلما رأيت شهيداً يسقط، أو بيتاً يدمّر، أو بريئاً يذبح بسكين إرهابي داعشي لأنه لا يحفظ عدد ركعات الصلاة، أو بريئة تجلد بتهمة الزنى لامتلاكها حساباً على الفايسبوك). 6- وماذا لو مدّد بشار رئاسته طالما أن سورية، بحسب السفير، «ليست مستعدة نهائياً لإجراء انتخابات هذا الصيف مع تشرد 9 ملايين من مواطنيها». أليس هذا سبباً رئيساً يستغلّه النظام ليلغي الانتخابات الرئاسية بسبب الوضع الأمني العام ويمدّد لنفسه إلى ما شاء الله وحليفاه: داعش وحالش! وماذا سيكون موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي؟! 7- في واحد من لقاءاتنا مع السفير حدّثناه بصراحة عن توجّسنا من احتمال تقسيم سورية في غياب الإرادة الدولية لحسم المعركة لصالح بقاء الدولة واجتثاث النظام. أذكر أنه قال ما مفاده أن «أميركا لن تسمح بتقسيم سورية لأنها لا تستطيع أن تتعامل مع كانتونات متناقضة ومتحاربة في ما بينها في منطقة هي الأكثر حساسية في الشرق الأوسط». إلا أنه اختتم محاضرته بوصاياه السبع في جامعة تافت العريقة بمشهد قاتم لنهاية التراجيديا السورية «تنهار فيه الدولة وتتمزّق إلى دويلات بحيث لا تعود سورية إلى ما كانت عليه حين وصلها سفيراً في 2010». أما النقطة الأهم التي غابت عن وصايا ذاك الخطاب الكئيب فمصطلح «الثورة السورية».     * كاتبة سورية

مشاركة :