لَيسَ مِن عَادتِي الكِتَابة عَن الأَصْدِقَاء والأُدَبَاء حِين يَموتون، لعِلْمِي أنَّ الكِتَابة عَنهم لَا تُفيد، وأَغلَب الذين يَكتبون عَن الأموَات؛ يُريدون أنْ يُوهموا النَّاس بأنَّهم أَوفيَاء، مَع أنَّ الوَفَاء لَا يَكون بهَذا الشَّكْل، بَل الوَفَاء -كُلّ الوَفَاء- أنْ تَكتب عَن الإنسَان أثنَاء حَيَاته، ليَفْرَح بِمَا يَقرأ، ويَسعد بِمَا يُقَال عَنه..! قَبل أيَّام رَحَلَ الصَّحفي المُتألِّق؛ والرَّجُل الشَّريف «عمر المضواحي»، وقَد كَان رَحيله فَاجِعَة، رَحَلَ كَما يَرْحَل كُلّ الشُّرَفَاء، ولَن أَمدحه لأنَّني قُلتُ لَه كُلّ المَديح أثنَاء حَيَاته، وخِلَال جَلسَاتي المُتبَاعدة مَعه، وكِتَابتي عَنه هُنَا مُختَلِفَة عَن كِتَابات الآخرين، لأنَّها تَتقصَّد النِّقَاط التَّالية: أوّلاً، مَا فَائِدة الكِتَابة عَن رَجُل نَسينَاه كَثيرًا، ولَم نَتذكَّره إلاَّ حِين مَات؟! لقَد سَالت الأعمِدَة؛ وتَحدَّث المُتحدِّثون عَنه بكُلِّ الألقَاب، وكُلِّ الشَّهَادَات، وقَد صَدَقت ابنَة الأُستَاذ «عمر» -العَزيزة «رزان عمر المضواحي»- حِين قَالت في تَغريدة لَها: (#سفير_مكَّة، #ابن_مكَّة_البار، #قلم_مكَّة، #نبيل_الصَّحَافَة، #فاروق_الصَّحَافة! كُنتَ تَستَحق هَذه الألقَاب قَبل مَوتك يَا حَبيبي)..! وبَعد هَذه التَّغريدة، كَتَب الصَّديق «هاني الظاهري» تَغريدة يَقول فِيهَا: (تَجَاهلوا #عمر_المضواحي حيًّا، لَم يَنصفوه في صُحفهم وقنوَاتهم، ولَم يَستفيدوا مِنه كخَبير في مَجالهِ، ويُفيدوه، واليَوم كُلّهم يَزعمون حُبّه ويَلتصقون بذِكرَاه)..! بَعد ذَلك كَتَب الأستَاذ «عبدالله العلويط» تَغريدَة يَقول فِيهَا: (مَا لَقيه #عمر_المضواحي بَعد وَفَاته مِن إطرَاءٍ وثَنَاء؛ لَو نَال عُشر معشَاره في حَيَاته، لأنتَج لَنَا أضعَاف مَا أنتَجه، ولَكنَّنا قَومٌ بُهْت، لَا نَعرف الشَّخص إلاَّ بَعد أنْ يَموت)..! إجمَالاً لكُلِّ التَّغريدَات أَقول: مَاذا يَستفيد الرَّجُل المُبدع عِندَما نَكتب عَنه؛ بَعد أنْ يَنتَقِل إلَى رَحمة الله؟ أعتَقد أنَّنا نُحَاول أنْ نَلبس ثيَاب الوَفَاء، ونَدَّعي النُّبل عَلى حِسَاب مَن مَاتوا..! ورَحم الله عَدوّي اللَّدود الصَّديق «علي العلياني»، الذي كُلَّما جَلستُ مَعه قَال لِي: هَل يُعقَل يَا «أحمد»؛ أنَّ الصَّحفي العَريق «عمر المضواحي» جَالسٌ في بَيته؛ مِن غَير أنْ تَطلبه المُؤسَّسات الإعلَامية؟! مِن جِهةٍ ثَانية، لِقَد مَات «عمر»، ومَات غَيره مِن الشُّرفَاء، ولَا نُريد أنْ تَعيش أُسرهم تَحت رَحمة المُسَاعدات؛ أو التَّبرُّعَات، بَل نُريد لَهم حيَاة كَريمة شَريفة، تَنطلق مِن العَمَل المُؤسَّساتي، لذَلك دَعونا نُطَالب وبِشدَّة بإنشَاء «صَندوق الأَديب»، و»صَندوق الصَّحفي»، مِن قِبَل الجِهَات ذَات العَلَاقة، وتَكون هَذه الصَّناديق دَعمًا لكُلِّ أَديب أو صَحفي شَريف، لَه رَصيدٌ مِن الخِدْمَة، بحَيثُ يُقرَّر لأُسرتهِ مُخصَّصًا شهريًّا، يَتوَافَق مَع سَنوَات خِدمته..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ أَدعو الله -جَلَّ وعَزّ- أنْ يَرحم «عمر»، وأنْ يُسكنه الجَنَّة، فقَد كَان يَمرُّ بأزمَاتٍ مَالية.. نَعرف ذَلك مِن مكُوثهِ في بَيته بسَبَب جَفَاف يَده، لأنَّه لَا يُريد أنْ يَخرج؛ إلاَّ وهو مِن أصحَاب اليَد العُليا، غَنيُّ النَّفس والجيب، وفي النّهَايَة دَعونا نَتأمّل بَيت الشَّاعر القروي: يَا أيُّهَا الأُدَبَا مُوتُوا لِنُكْرِمَكُمْ إِنْ يَخْبُث العَيْشُ قَدْ تَحْلُو المَنِيَّاتُ تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :