الطيران المدني في المملكة العربية السعودية نشأ وترعرع في مدينة جدة من بدايته في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. تكونت مرافقه وتوسعت عملياته وانطلقت رؤية إنشاء المطارات في كل مناطق المملكة ونما الأسطول حتى اصبح على ما هو عليه حالياً. كل ذلك تحقق في أحضان مدينة جدة بوابة الحرمين الشريفين. وعندما نقلت السفارات الى الرياض في الثمانينات من القرن الميلادي الماضي طُرحت فكرة نقل الجهاز المركزي للطيران المدني الى العاصمة الرياض ولم يؤخذ بها. وتكرر طرح الفكرة عند افتتاح مطار الملك خالد الدولي ولكن الأمير سلطان رحمة الله عليه ومجلس الوزراء في ذلك الوقت لم يوافقا على فكرة النقل لأسباب جوهرية منها تجنب المركزية وكثافة الحركة الجوية وأهمية مطار الملك عبد العزيز لخدمات الحج والعمرة ومراعاة لظروف العاملين في الجهاز. هيئة الطيران المدني والخطوط السعودية جهازان ملتصقان من البداية يستوجب الأمر التنسيق المستمر بينهما وحكمة التواجد في مدينة جدة أملتها الضرورة للتسهيل على المسئولين والفنيين على كل المستويات التواصل مع كل الأجهزة بيسر وسهولة لخدمة الصالح العام خاصة خلال مواسم الحج والعمرة على مدار العام. ومع مرور الوقت تطورت الخدمات وتوسعت المرافق وأُسست مرافق جديدة للصيانة والتدريب مثل أكاديمية الأمير سلطان لتدريب الطيارين، وشركة الخدمات الأرضية، وأكاديمية الطيران المدني التي تعنى بتدريب الفنيين والمراقبين الجويين، والمركز الرئيسي للمراقبة الجوية في المملكة. كل هذه المرافق قائمة استثمرت الدولة فيها مبالغ طائلة ويعمل بها أعداد كبيرة من المواطنين السعوديين. والانتقال الى الرياض يشكِّل عقبة كبرى للموظفين وأسرهم من مدارس ومنازل والبعض منهم تعمل زوجاتهم في وظائف التدريس والمستشفيات وغير ذلك وينبغي أخذ ذلك البعد الإنساني في الحسبان حتى لا نلحق الضرر بآلاف من منسوبي الجهاز من جراء فكرة النقل. إن التوقيت من وجهة نظري غير مناسب في ظل الظروف الحالية ومحاولة الخصخصة حيث تحتاج الأجهزة ومنسوبوها الى استقرار تام حتى يتم التحول بدون أي إرباكات تؤثر على أداء أجهزة تكون هموم السلامة والأمن جوهر عملياتها. توسعة مطار الملك عبد العزيز وتوقعات ازدياد الحركة الجوية للضعف وأكثر في السنوات القادمة عنصر آخر ينبغي التركيز عليه بدلاً من تشتيت الجهود في عمليات النقل التي لن تكون سهلة كما يتصور البعض. وعلى سبيل المثال فقط نأخذ العبرة من دولة الإمارات التي عاصمتها أبو ظبي ولكن أكبر مطار وأكبر عمليات للطيران المدني في دبي ولم يفكر أحد في وضع معرض الطيران الدولي في مدينة أبو ظبي. ان فكرة المركزية فكرة قديمة تجاوزتها التطورات في مجالات عدة. أهمها مدى التأثير على حياة منسوبي الجهاز والتكلفة العالية من حيث توفير المرافق والإسكان والخدمات الطبية. إن من الافضل التركيز على تحسين الأداء وإنجاز المشاريع القائمة لمواجهة التحديات القادمة في صناعة النقل الجوي .. Salfarha2@gmail.com
مشاركة :