الله لا يعطيه العافية

  • 10/4/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الله لا يعطيه العافية لن أحدثكم كم مرة استقبلت بالاستهجان والغضب، حتى علمت أن "العافية" تعني العافية، لا أكثر ولا أقل. النوايا العاطلة تعادل النوايا الطيبة في تفخيخ الكلام نحن معشر العرب، ومن ساكنهم من العجم والبربر، نعشق التورية ونروم عدم تسمية الأشياء بمسمياتها، إلى حد الوقوع فيما أردنا تجنّبه بصريح اللفظ والعبارة. العافية، مثلا، عندنا في تونس، تعني “النار” التي لا يتمناها حبيب لحبيبه.. وعليه، فإن أول قدومي إلى الشام، كنت أقول لكل من أردت التودد إليه “الله لا يعطيك العافية”. كل ما في الأمر أن مبتدعي هذه العبارة أرادوا اللطف وتجنيب السامع كلمة “نار” التي تفضي إلى جهنم وبئس المصير، فأطلقوا عليها كلمة “عافية” ثم وقعت أنا في هذا الفخ الذي نصبوه لي من حيث لا يدرون. ولن أحدثكم كم مرة استقبلت بالاستهجان والغضب، حتى علمت أن “العافية” تعني العافية، لا أكثر ولا أقل. قس على ذلك في عبارات شتى تصل حد الإحراج الشديد، خصوصا إذا كانت تتعلق بإيحاءات جنسية أو ما شابه ذلك. أما آباؤنا وأجدادنا فقد كانوا يلطّفون عباراتهم ويهذبونها في اعتقادهم، طلبا للتفاؤل وهربا من الشؤم والتطير، كأن يسموا الملح “ربح”، خصوصا في الصباح.. ولا ننسى في هذا الصدد، قول إحدى الزوجات وهي تذكّر زوجها بأن لا “ربح” لديهم وهو يهمّ بقول “يا فتّاح يا رزاق”. النوايا العاطلة تعادل النوايا الطيبة في تفخيخ الكلام، وكل بحسب ما أضمر ونوى.. وجازى الله الناس بحسب نواياهم كما كانت تقول أمي كلما سمعت أحدهم يتكلم بلغة لا تفهمها. وفي هذا السياق، تدخل الترجمة هذا الحيز من وجوب توفر الأمانة بين ناقل الرسالة الكتابية أو الكلامية، والمتلقي القارئ أو المستمع.. لذلك ألزمت الأعراف والقوانين المترجمين منذ القدم، بالحلفان والقسم على الشرف، على سبيل النزاهة وكي لا تضيع الحقوق. اشتغلت مرة مترجما فوريا بين سيدة فرنسية تدير إحدى شركات العطور، ومسؤول عربي سمج، شهواني وغليظ الطبع. كان يكثر من مغازلتها وكنت أخفف من حرارة عباراته إلى درجة أنه طلب مني في إحدى حواراته معها إخبارها بأنها “باردة المشاعر ولا تقدر مدى شغفه بجمالها”. طبعا لم أفعل، لكني اكتفيت بـ”الأوف” أي كل ما هو خارج مهمتي كمترجم، وأشبعتها ملاطفة شخصية كلما جلسنا على فنجان قهوة دون أن يكون ذلك السمج الغليظ ثالثنا. تذكرت قصيدة المتنبي “مالنا كلنا جو يا رسول أنا أهوى وقلبك المتبول”. وأنّبني ضميري بعض الشيء، ولكن ليس كثيرا، ذلك أن تلك السيدة كانت فاتنة الجمال، وذاك المسؤول العربي كان فجا غليظ القلب، ومتباهيا أمامها بما يملك من مزارع ومحلات.. إلى درجة أني فكرت في التبليغ عنه إلى هيئة “من أين لك هذا” بعد تلك الاعترافات.. الله لا يعطيه العافية.. حكيم مرزوقي كاتب تونسي

مشاركة :