الوصف الذي كثيرًا ما نردده في العديد من جوانب حياتنا هو الفوضى، وهناك العديد من الشواهد التي تجعلنا نُكرِّر هذا الوصف باستمرار، فبعضنا لا يُحسن تنظيم وقته، ولا يُحسن وضع أولوياته، ولا يُحسن الالتزام بالأنظمة، ولا يُحسن أداء عمله، فهو يعيش في فوضى متواصلة منذ أن يستيقظ وحتى ينام، ولكن الغريب والعجيب أن هذه الفوضى -وخصوصًا في الأماكن العامة- تتحوّل بشكلٍ مباشر ومفاجئ؛ إلى التزام دقيق واحترام كبير، فور أن يصل الفرد إلى بعض الدول الأوروبية، فهناك يلتزم بجميع التعليمات ابتداءً من الوقوف بانتظام في صفوف الجوازات بالمطار، ولا يُفكِّر مجرد تفكير في التجاوز مهما طال الوقت، أما في الطرقات فإنه يلتزم بالأنظمة والتعليمات، فلا يتجاوز سرعة، ولا يقوم بتجاوز خاطئ، ولا يقف في مكانٍ مخالف، ولا يُفكِّر في واسطة، ويعرف جيدًا بأنه عند المخالفة سيتم محاسبته ومعاقبته. إذًا أين المشكلة، هل هي فينا نحن أم في مجتمعنا؟ هل هي في أنظمتنا الداخلية أم في الأنظمة الخارجية؟ لماذا نعيش هذه الازدواجية؟، ففي مجتمعنا نكون في فوضى، وإذا ما انتقلنا إلى الخارج؛ التزمنا بالأنظمة هناك؟ ما هو السر في تجاوزاتنا المحلية والتزامنا الخارجي؟ هل السبب هو ضعف الأنظمة التي تحيط بنا؟ أم أنها أنظمة شكلية ولا يتم تطبيقها، أو أنها تُطبَّق أحيانا وأحيانًا لا تُطبَّق؟ أم أنه لا توجد عقوبات مشددة لمن يتجاوز تلك الأنظمة؟ أم السبب أن هناك نظاما قويا يمكنه سحق تلك الأنظمة، وهو نظام الواسطة؟ الذي يقوم بمفعول السحر ما إن يتسرَّب لأي نظام؟ أم السبب أن تلك الأنظمة لا يُطبِّقها بعض المسؤولين الذين هم قدوات للآخرين، مما يجعل الآخرين يزهدون في تطبيقها؟! الفوضى أصبحت سمة الكثيرين في هذا المجتمع، وهي مرض عضال يفتك بكل مسارات حياتنا المختلفة وتحيط بالكبير والصغير، وتحتاج إلى علاج جذري متقن وسريع، يبدأ من قضية أساسية وهي الاحترام الذي ينطلق من أن يحترم كل فرد منّا نفسه ووقته ومسؤولياته، وأن يحترم كل فرد حوله، وأن يصبر على هذا الاحترام -وإن خالفه الآخرون- فلا يصبح إمّعة. وعلى المسؤول أن يبدأ هو بتطبيق منهج الاحترام ليكون قدوة لغيره، وعلينا أن نغرس هذا الاحترام في نفوس الصغار في المدرسة والمنزل، وأن نجعل شعار حياتنا هو احترام غيرنا، فإن احترمنا غيرنا سنحترم ما يُنظِّم علاقتنا معه من أنظمة، وسنتمسك بها، ويصلح حالنا وتنتظم حياتنا. Ibrahim.badawood@gmail.com
مشاركة :